بدل التَّفصيل من جديد – أدعو الله أن يعيننا على ما ابتلانا!!
للأسف، حتَّى الكتب الخارجيَّة (كالأضواء والامتحان ) قد (عامت على عوم ) القائلِين بأنَّ بدل التَّفصيل بعد الإجمال إنَّما هو بدل بعضٍ من الكلِّ، وهكذا بات الوضع ميئوسًا منه، ولا أمل نهائيًّا في شفاءٍ أو علاج!!
بُحَّ صوتي من مناقشة هذه المسألة، وناديتُ بوادٍ لشهورٍ، بل لسنواتٍ، بلا أيِّ فائدةٍ.
والآن – ما شاء الله – صار الإجماع منعقدًا على أنَّ البدل بدل بعضٍ من الكلِّ في قول الرَّسول (صلَّى الله عليه وسلَّم ): اتَّقوا الله في الضَّعيفَين: المرأة واليتيم “.
هل هي مؤامرة؟؟!! هل هؤلاء النَّاس مؤمنون ومقتنعون فعلا أنَّ البدل هنا بدل بعضٍ من الكلِّ، أم هو العناد والمكابرة واستثقال العودة إلى الحقِّ؟؟!!
واللهِ احترتُ واحتار عقلي!!
من الواضح جدًّا لأيِّ إنسانٍ طبيعيٍّ، ولو كان بنصف عقلٍ، أنَّ (الضَّعيفَين ) = (المرأة واليتيم )، وأنَّ العلاقة بين الطَّرفَين هي علاقة المطابقة، لا علاقة البعض بالكلِّ.
ولكنَّ حجَّتهم البليدة أنَّ ما يُعرَب بدلا في الجملة هو (المرأة )، وبما أنَّ (المرأة ) أحد الضَّعيفَين اللَّذَين أشار إليهما الرَّسول (صلَّى الله عليه وسلَّم ) في صدر حديثه؛ فإنَّ البدل في الحديث بدل بعضٍ من الكلِ. وهذا القول – في الحقيقة – مردودٌ عليكم، وينمُ عن قصورٍ بشعٍ في النَظر للأسباب التَالية:
1 – هل قال الرَّسول (صلَّى الله عليه وسلَّم ): اتَّقوا الله في الضَّعيفَين المرأة، وسكت؟!!
2 – من قصور النَّظر أن تضعوا (الضَّعيفَين ) في كفَّة، و (المرأة ) في كفَّة، ولو أنصفتم لوضعتم (الضَّعيفَين ) في كفَّة، و (المرأة في اليتيم ) في كفَّة؛ لكي يعتدل ميزانكم، ولتهتدوا إلى الحقِّ، وهو أنَّ البدل بدل مطابقٌ ولا شكَّ.
3 – من قبيل قصر النَّظر أيضًا أن تقولوا إنَّ البدل في الجملة هو (المرأة )، وكان يمكنكم أن تعفوا أنفسكم (وتعفونا معكم ) من هذا المأزق، وهذه البلاهة، بأن تقولوا لطلَابكم: إنَ البدل في الحديث هو (المرأة واليتيم )، ولكنَّ ما يُعرَب بدلا فيها بالطَّبع هو (المرأة )، بينما (اليتيم ) اسم معطوف.
4 – وأن توضِّحوا لهم أنَّ لكلِّ جملةٍ متعلِّقات لا يتمُ المعنى إلا بها، وأنَه رغم أنَّ ما سيُعرَب بدلا هو كلمة (المرأة )، إلا أنَّ المعنى في الجملة لا يتمُّ إلا بالمعطوف بعده.
5 – ومن الأمثلة على ذلك قولك: جاء ولد غير نشيط، فالنَّعت في الجملة هو (غير نشيط )، وبالرَّغم من أنَ ما يُعرَب نعتًا في الجملة هو كلمة (غير ) وحدها، إلا أنَّ المعنى لا يمكن أن يكتمل هنا دون ذكر المضاف إليه بعدها؛ فالولد المقبل صفته أنَّه (غير نشيط )، ولا يمكن أن تكون صفته (غير ) وفقط!!
6 – وكذا لو قلتَ: أقبلتُ على عملي غير نشيط، فالحال في الجملة هو (غير نشيط )، إلا أنَّه بالرَّغم من أنَ ما يُعرَب حالا في الجملة هو كلمة (غير ) وحدها، إلا أنَّ المعنى لا يمكن أن يكتمل هنا دون ذكر المضاف إليه بعده؛ فأنا أقبلتُ على عملي وحالي (غير نشيط )، ولا يمكن أن يكون حالي (غير ) وحدها!!
7 – القول بأنَ الرَابط هنا هو واو العطف هو قولٌ سخيفٌ ومضحك، وهو مجرَّد مبرِر لتمرير وجهة نظر معيبة ليس إلا، وهو مجرَّد التفافٍ على الحقيقة، ولو أنصفتم واعترفتم أنَّه بدلٌ مطابق، لما وجدتم أنفسكم مضطرِّين إلى التَّبرير بلك القول السَّاذج.
8 – طبقًا لمنطقكم الفذِّ فإنَّ البدل في الجملتَين التَاليَين واحد، وهو بدل بعضٍ من الكلِّ:
أ – قرأتُ الكتابَين الكتاب الأوَّل منهما.
ب – قرأتُ الكتابَين: الكتاب الأوَّل منهما، والكتاب الثَّاني.
فكيف يُعقَل يا عباقرة الزَّمان أن يكون البدل في كليهما بدل بعضٍ من الكلِّ، رغم أنَّني في الأولى قرأتُ أحد الكتابَين (الجزء فقط )، بينما في الثَّانية قرأتُ الكتابَين معًا!!!!
أدعو الله أن يعيننا على ما ابتلانا!!