بعض التَّحدِّيات التي يواجهها معلِّمو البلاغة في التَّعليم المصريِّ
1 – المشكلة المزمنة التي تستعصي على الحل: مشكلة وجه الشَّبه.
معركة يوميَّة عبثيَّة حول وجه الشَّبه، وخلاف المعلِّمِين في هذا المقام، كقول الشَّاعر:
إنَّ الرَّسول لنورٌ يُستضَاء به
فريق يرى أنَّ التَّشبيه هنا مجمل (باعتبار يُستضَاء به هي وجه الشَّبه )، وفريقٌ يرى أنَّه بليغ (باعتبار أنَّ وجه الشَّبه ليس من الصُّور التي أوردتها الوزارة لوجه الشَّبه ).
وكالعادة .. مكتب المستشار يتفرَّج مع المتفرِّجِين .. والضَّحيَّة: طلَّاب لا ذنب لهم في هذه الخلافات .. ومعلِّمون يستنزفون جهدهم وطاقاتهم في هذا الصِّراع المستعر.
2 – يتمُّ التَّعامُل مع طلَّاب الصَّفِّ الأوَّل الثَّانويِّ منذ تطأ أقدامهم بوَّابات مدارسهم الثَّانويَّة .. على أنَّهم قد أتمُّوا مناهج البلاغة في السَّنوات الثَّلاث .. بسبب التَّداخُل بين فرعَي البلاغة (التي يدرسونها لأوَّل مرَّة ) والنُّصوص (التي تُدرَس بلاغيًّا ) فيسمع الطَّالب من اليوم الأوَّل مصطلحات من عيِّنة المجاز المرسل (الذي لن يدرسه إلا في الفصل الدِّراسيِّ الثَّاني ) والأساليب الإنشائيَة والإيجاز والإطناب (التي سيدرسها أصلا في العام التَّالي ) والتَّجربة الشِّعريَّة (التي يُفترَض أن يدرسها بعد عامَين كاملَين ).
فيشعر الطَّالب أنَّه تائه .. والنَّتيجة: يزداد نفورًا من البلاغة وكراهيَّةً لها يومًا بعد يوم.
3 – من التَّحدِّيات المهمَّة في هذا المقام أنَّ أغلب الشَّواهد في أسئلة البلاغة مأخوذة من الشِّعر الجاهليِّ الذي يموج بالألفاظ المهجورة والصَّعبة .. بل والمعقَّدة.
تخيَّل أن يُطلَب من دارس البلاغة المسكين بيان أوجه الجمال في قول الشَّاعر:
وكافٌ وكفكافٌ وكفي بكفها .. وكافٌ كَفوف الودق من وصل
ومن أسخف أنواع الجهل أن تسأل عن سرِّ الجمال أو نوع الصُّورة البيانيَّة في بيتٍ لا يفهم المستمع شيئًا من معناه.
وللأسف .. بعض واضعِي الامتحانات لا يدركون هذه الحقيقة نهائيًّا.
4 – طبقًا للنِّظام الجديد في الامتحانات ذات الاختيار من متعدِّدٍ .. يكون رأس السُّؤال غالبًا بيتًا واحدًا .. وللأسف هذا الاقتطاع الجائر لبيت شعرٍ واحد من سياقه .. يجعل المعنى بالبيت غالبًا ناقصًا وغير واضح .. ممَّا يصعِّب تمامًا من مهمَّة الممتحن (في النِّظام القديم كان سؤال البلاغة دائمًا مكوَّنًا من عدَّة أبياتٍ متماسكةٍ ومتكاملة المعنى والفكرة ).
5 – يجب التَّسليم بأنَّ هناك شواهد اختلف حولها حتَّى أشهر علماء البلاغة .. فليت شعري .. ألا يتمتَّع واضع الامتحان بنصف عقلٍ يدلُّه على أنَّ المجيء بهذا النَّوع من الجمل الخلافيَّة لا يجوز أبدًا؟!! وهل ضاقت كتب البلاغة وديوان الشِّعر العربيِّ العامر .. فلم يجد بيتًا متَّفقًا عليه يضعه في امتحانه .. فيعفي المعلِّم والطَّالب من هذا الشَّقاء؟!!
6 – فيما يخصُّ الأساليب الإنشائيَّة .. فقد يكون الغرض واضحًا وحاسمًا دون أيِّ لبسٍ .. وقد يكون حمَّال أوجُه .. يُحتمَل أن يكون له عدَّة أغراضٍ في نفس الوقت .. والبلاغة تذوُّق في نهاية الأمر .. وممَّا يُؤسَف له المجيء في الخيارات بعدَّة أغراضٍ جميعها محتملة .. وهذا ظلمٌ بيِّنٌ للممتحن.
7 – سجَّلتُ من قبل .. وأعود وأكرِّر .. وسأذكر للأبد .. أنَّ سؤال (يوجد في البيت: تشبيه – أسلوب خبريّ – طباق – كلّ ما سبق .. مثلا ) هو سؤال سخيف وغبيٌّ وتعيس (وبالذَّات عندما تكون الإجابة هي: كلُّ ما سبق ) فرأيي الشَّخصيُّ أنَّه يجب أن تتضمَّن الخيارات ثلاثًا خاطئةً بشكلٍ حاسم .. وخيارًا واحدًا هو الصَّحيح.
8 – تقديري الشَّخصيُّ – وقد أكون مخطئًا – أنَّ موضوع الإيجاز والإطناب مغرق في التَّعقيد .. وخصوصًا أنواع الإطناب وأدواته .. وأمنيتي الشَّخصيَّة أن يدرسه الطُّلَّاب .. دون أن يكون موضعًا للسُّؤال في الامتحان.