سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) الحلقة الثَّالثة

يسري سلال 29 ديسمبر 2019 | 1:16 ص قضايا نحويَّة 1725 مشاهدة

يعرف معظمنا أنَّ إعراب (هو ) في مثل قولنا: أحمد جاء هو، توكيد، لا فاعل، ولكنَّ السُّؤال المُلِحُّ: لماذا أعربها النُّحاة توكيدًا، واستبعدوا إعرابها فاعلا، مع اللُّجوء إلى التَّخريج الكريه، الذي يعتبر الفاعل ضميرًا مستترًا (تقديره: هو )، رغم وجود (هو ) بلفظها؛ لتكون نتيجة ذلك أن يكون التَّقدير: أحمد نجح هو هو؟؟!!

لماذا لم يريحوا أنفسهم، ويريحونا، من هذا التَّقدير الشَّاذِّ، بأن يعدُّوها فاعلا؟؟

أعتقد أنَّ النُّحاة (اُضطُرُّوا ) إلى ذلك اضطرارًا لسببٍ واحدٍ، يُعَدُّ إشكاليَّةً كبرى، وهي احتمال توالي ضميرَين ظاهرَين بعد الفعل: الأوَّل متَّصل، والثَّاني منفصل، كما في قولنا على سبيل المثال: عُدتُ أنا من عملي؛ فلو أعربنا (أنا ) فاعلا (قياسًا على الجملة الأولى )، فماذا سنعرب التَّاء؟!! ولمَّا كان من المستحيل إعراب كلَيهما فاعلا، أعربوا الضَّمير المتَّصل فاعلا، وأعربوا الضَّمير المنفصل توكيدًا له.

ثمَّ (اضطرَّهم ) هذا الاحتمال إلى تعميم القاعدة، فامتنعوا عن اعتبار الضَّمير المنفصل فاعلا في جميع الأحوال، واُضطُرُّوا فيما يتعلَّق بالمثال الذي بين أيدينا، وما يماثله، إلى تقدير فاعلٍ مستترٍ، ثمَّ عدِّ الضَّمير المنفصل توكيدًا لهذا الفاعل المستتر.

وهكذا:
– جئتُ أنا. الضَّمير المنفصل توكيدٌ للفاعل المتَّصل.
– أحمد جاء هو. الضَّمير المنفصل توكيد للفاعل المستتر.

وكذا فيما يتعلَّق باسم (كان )، واسم (كاد )، وأخواتهما:
– المطر أوشك هو أن يهطل. الضَّمير المنفصل توكيد لاسم (أوشك ) المستتر.
– كنتَ أنا حاضرًا. الضَّمير المنفصل توكيدٌ لاسم (كنتُ ) المتَّصل.

ولكن تواجهنا في كلِّ ذلك إشكاليَّتان:
الأولى: متعلِّقة بضمير الفصل:
فلأنَّه من المتعارف عليه، أنَّ ضمير الفصل قد يفصل بين اسم الفعل النَّاسخ وخبره، وأنَّه (ضمير الفصل ) في هذه الحالة لا محلَّ له من الإعراب، فإذا قلتَ: كان أحمد هو النَّاجح، فإنَّ الغالبيَّة يعدُّون (هو ) ضمير فصلٍ لا محلَّ له من الإعراب هنا.
ملاحظة: دعونا نتجاهل الرَّأي القائل بأنَّها مبتدأ؛ فإنَّني أعدُّه غير منطقيٍّ، وبالنِّسبة لي لا أعدُّه إلا ضمير فصلٍ لا محلَّ له من الإعراب.

وتتجلَّى الإشكاليَّة المتعلِّقة بضمير الفصل، في مثل قولنا: كنتَ أنت حاضرًا؛ حيث فصل (أنتَ ) بين اسم (كان ) وخبرها، ومع ذلك لا نعدُّه ضمير فصلٍ هنا، وإنَّما نعدُّه توكيدًا للضَّمير المتَّصل؛ ممَّا يدعو إلى تعديل قاعدة ضمير الفصل، الذي يفصل بين اسم الفعل النَّاسخ وخبره، لتكون القاعدة:
من مواضع ضمير الفصل، الضَّمير الذي يفصل بين اسم الفعل النَّاسخ وخبره، بشرط ألا يكون الاسم ضميرًا متَّصلا، وإلا عُدَّ الضَّمير المنفصل في هذه الحالة توكيدًا، لا ضمير فصلٍ.

والثَّانية: وهي الإشكاليَّة المؤرِّقة المتمثِّلة في تكلُّف تقدير ضميرٍ مستترٍ، في حالة ورود الضَّمير المنفصل بعد الفعل (تامًّا، أو ناقصًا ) مباشرةً:
– أحمد جاء هو.
– الرَّجل كان هو حاضرًا.

هنا، وفي الحالتَين، فإنَّ افتراض وجود فاعلٍ، أو اسمٍ للفعل النَّاسخ، مستترًا، يمثِّل تكلُّفًا مرذولا لأقصى درجةٍ؛ فالتَّقدير في الأولى: أحمد جاء هو هو!! والتَّقدير في الثَّانية: الرَّجل كان هو هو حاضرًا!!

وأرى أن يتمَّ استثناء هذه الحالة من عدم جواز كون الفاعل (أو اسم الفعل النَّاسخ ) ضميرًا متَّصلا، وذلك لغرابة التَّقدير، وتنافره مع العقل والمنطق والذَّائقة اللُّغويَّة السَّليمة؛ خصوصًا وأنَّ النُّحاة (اُضطُرُّوا ) إلى استثناء حالتَين أخريَين، (أجازوا ) فيهما أن يكون الفاعل ضميرًا منفصلا:
1 – في الاستثناء النَّاقص المنفيِّ:
لم ينجح إلا أنت. الضَّمير المنفصل هنا وقع فاعلا.

2 – في إعمال المشتقَّات (وخصوصًا المعتمدة على نفيٍ، أو استفهامٍ ):
– أناجحٌ أنتَ؟ – ما ناجحٌ أنتَ. الضَّمير المنفصل هنا وقع فاعلا.
ملاحظة:
لا أعترف بالرَّأي القائل إنَّ الضَّمير في المثالَين الأخيرَين يُعرَب مبتدأ مؤخَّرًا، وقد أوضحتُ سابقًا سبب اختلافي مع هذا الرَّأي.

والخلاصة:
كما أجزنا أن يكون الفاعل ضميرًا منفصلا في الحالتَين المذكورتَين، أرى أن نمنح نفس الاستثناء إلى مثل قولنا: أحمد نجح هو؛ فيكون (هو ) فاعلا لا توكيدًا؛ هروبًا من هذا التَّقدير السَّخيف: أحمد نجح هو هو!!

وللتَّذكير:
رابط الحلقة الأولى من سلسلة (طلاسم نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) [بعنوان: عسى ]:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2255775684676917

ورابط الحلقة الثَّانية من سلسلة (طلاسم نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) [بعنوان: تاء التَّأنيث ]:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2257583994496086