هل يُشتَقُّ اسم المفعول من فعلٍ مبنيٍّ للمجهول، أم من فعلٍ مبنيٍّ للمعلوم؟
في يومَين فقط، راسلني حوالي عشرة من الإخوة والأخوات بنفس السُّؤال: هل يُشتَقُّ اسم المفعول من فعلٍ مبنيٍّ للمجهول، أم من فعلٍ مبنيٍّ للمعلوم؟
لا أفهم لماذا ثار هذا السُّؤال فجأةً وبهذا الشَّكل الغريب، وأحد هؤلاء الإخوة صاغ سؤاله لي على الماسينجر كالتَّالي: ما الدَّاعي إلى التَّفريق بين اسم الفاعل واسم المفعول؟ وما دام اسم الفاعل يُصَاغ من المبنيِّ للمعلوم، فما الحكمة من مخالفة اسم المفعول له بالقول إنَّه يُصَاغ من المبنيِّ للمجهول؟
وقبل أن أجيب على السُّؤال، ورغم أنَّني أعتقد أنَّ الإجابة بدهيَّة جدًّا، وأوضح من أن تُوَضَّح، دعونا نلفت النَّظر إلى ما يلي:
أوَّلا: المراد بالاشتقاق الأصل الذي صِيغ منه الاسم المشتقُّ، ولا يُشترَط ذكر هذا الأصل على هيئة فعلٍ أصلا.
فلو افترضنا – مثلا – أنَّ الطَّالب سُئل: اسم المفعول (مكتوب ) مشتقٌّ من …… (أكمل ).
1 – لو أجاب الطَّالب قائلا: اسم المفعول (مكتوب ) مشتقٌّ من الكتابة.
فإجابته صحيحة مائة بالمائة.
2 – ولو أجاب قائلا: اسم المفعول (مكتوب ) مشتقٌّ من (كتب ) [هكذا دون تشكيلٍ ].
فإجابته صحيحة مائة بالمائة.
3 – ولو أجاب قائلا: اسم المفعول (مكتوب ) مشتقٌّ من (ك ت ب ).
فإجابته صحيحة مائة بالمائة.
فهو في جميع هذه الإجابات السَّابقة حدَّد الجذر اللُّغويَّ (الذي يتكوَّن غالبًا من ثلاثة أحرفٍ ) للاسم المشتقِّ المحدَّد، وليس مطلوبًا منه أكثر من ذلك للإجابة على السُّؤال بصيغته المذكورة.
إذن ….
اسم الفاعل (عالم )، واسم المفعول (معلوم )، وصيغة المبالغة (عليم )، واسم التَّفضيل (أعلم )، جميعها مشتقَّة من: العلم √ – علم √ – ع ل م √.
ثانيًا: القول بأنَّ اسم المفعول مصوغ من فعلٍ مبنيٍّ للمجهول، رغم أنَّه صحيح مليون في المائة، إلا أنَّه يتسبَّب في وقوعنا جميعًا في تناقضٍ مؤسفٍ؛ حيث، ورغم أنَّنا نؤكِّد جميعًا لتلاميذنا أنَّ اسم المفعول لا يُصَاغ إلا من الفعل المبنيِّ للمجهول، إلا أنَّنا لا ننفكُّ نطلب منهم صياغة اسم المفعول من أفعالٍ مبنيَّةٍ للمعلوم!!
فنقول للطَّالب مثلا: صُغ اسم المفعول من الفعل (قال ).
ونقول له أيضًا على سبيل المثال: صُغ اسم الفاعل واسم المفعول من الفعل (أقام ).
رغم أنَّ (قال ) مبنيٌّ للمعلوم، ونحن نقول بألسنتنا إنَّ اسم المفعول لا يُصَاغ إلا من المبنيِّ للمجهول!!
ورغم أنَّه لا يُعقَل – في السُّؤال الثَّاني – صياغة اسم الفاعل واسم المفعول من نفس الفعل؛ إذ المفترض أنَّ اسم الفاعل يُصَاغ من الفعل المبنيِّ للمعلوم، بينما يُصَاغ اسم المفعول من الفعل المبنيِّ للمجهول!!
هذا تناقض أُقِرُّ به، وأستهجنه بصراحةٍ، ولكنَّ حلَّ هذا التَّناقُض لا يمكن أن يكون عبر إنكار الحقيقة الباهرة التي لا تقبل الجدال، وهي أنَّ اسم المفعول مصوغ من الفعل المبنيِّ للمجهول.
نعم، هذه هي الحقيقة، وهذه هي إجابة السُّؤال: اسم الفاعل يُصَاغ من الفعل المبنيِّ للمعلوم، واسم المفعول يُصَاغ من الفعل المبنيِّ للمجهول.
فإذا طُلِب من الممتحن بوضوحٍ ذكر (الفعل الماضي الذي صِيغ منه اسم المفعول مضروب مضبوطًا بالشَّكل ) فإنَّ عليه أن يُجيب هكذا: ضُرِب (بالبناء للمجهول )، ومن حقِّ المصحِّح في حالة عدم بنائه للمجهول أن يخصم ولو جزءًا من الدَّرجة المستحقَّة عن السُّؤال.
أمَّا إذا لم يطلب منه الضَّبط بالشَّكل، فليس على الطَّالب حرج في كتابته هكذا (ضرب )؛ إذ إنَّنا غير معتادِين على الضَّبط بالشَّكل، وربَّما كتبه (ضرب ) وهو يقصده مبنيًّا للمجهول، وعلى هذا لا يحقُّ للمصحِّح حرمانه من أيِّ جزءٍ من الدَّرجة.
أمَّا عن الدَّليل على حقيقة كون اسم المفعول يُصَاغ من المبنيِّ للمجهول، فإنَّني لن أقول إنَّ دليلي أنَّ فلانًا من النُّحاة قد ذكر ذلك، بل لا أعرف رأي النُّحاة في المسألة أصلا، وإن كنتُ أتوقَّع أنَّ هناك مَن قال كذا، وهناك مَن خالفه وقال كذا، وهكذا آلاف المواضع في النَّحو كما نعلم جميعًا.
ولذلك، سأكتفي بالأدلَّة العقليَّة وحدها، ولا أعتقد أنَّها تخفى عليكم جميعًا:
أ – الولد قارئ الكتاب.
لو عوَّضتَ عن المشتقِّ بالفعل منه، فلن يمكنك استخدام الفعل إلا مبنيًّا للمعلوم: الولد قَرَأَ (يَقْرَأُ ) الكتاب.
– بينما: الكتاب مقروء.
لا يمكنك التَّعويض نهائيًّا عن اسم المفعول، ولا يمكن أن يستقيم المعنى، إلا بالفعل المبنيِّ للمجهول: الكتاب قُرِئ (يُقْرَأُ ).
ب – إذا قلنا:
– ما قارئٌ الولدُ الكتابَ.
– المؤمن محمودة سيرته.
فلماذا نعرب (الولد ) في الجملة الأولى فاعلا (ولا نعربها نائب فاعلٍ )؟
ولماذا نعرب (سيرته ) في الجملة الثَّانية نائب فاعل (ولا نعربها فاعلا )؟
الإجابة ببساطةٍ: لأنَّ الاسم المشتقَّ العامل يعمل نفس عمل فعله الذي اُشتُقَّ منه.
ولأنَّ اسم الفاعل يُشتَقُّ من الفعل المبنيِّ للمعلوم، فإنَّ معموله – في الجملة الأولى – أعرِب فاعلا، بينما أُعرِب معمول اسم المفعول نائب فاعلٍ في الجملة الثَّانية؛ لأنَّه مشتقٌّ من الفعل المبنيِّ للمجهول.
بسّ خلاص!!
أمَّا تعجُّب الأخ في سؤاله من تمييزنا بين اسم الفاعل واسم المفعول، ففي الحقيقة فإنَّني لا أرى محلًّا لدهشته؛ فالتَّمايز بين اسم الفاعل واسم المفعول واقعٌ وحادثٌ ومتحقِّقٌ ولا مهرب منه؛ لأنَّه – وبكلِّ بساطة – لا يمكن أن يكون (مَن كَتَبَ ) هو نفسه (ما كُتِب )، ولا أن يكون (مَن قام بالفعل ) كـ (مَن وقع عليه الفعل )، ولا أن يكون الولد مشروبًا والماء شاربًا!!
شكرا شكرا قمه الشكر!!