(مبنيٌّ على الألف وعلى الواو وعلى الياء ) أعجب عبارة في النَّحو العربيِّ على الإطلاق!!!!

يسري سلال 28 يوليو 2021 | 12:11 م Uncategorized 5993 مشاهدة

قبل أن تقرأ:
معذرةً على طول المقال. والرَّجا الصَّبر حتَّى النِّهاية حتَّى تصل إليكم الفكرة كاملةً.

من المعروف أنَّ المنادى قد يرد بعلامة نصبٍ (يا مسلمِين ) .. وقد يرد بعلامة رفع (يا مسلمون ).

فإذا ورد بعلامة نصبٍ يكون منصوبًا .. وإذا ورد بعلامة رفع يكون مبنيًّا .. وتكون علامة بنائه هي نفسها علامة رفعه (مبنيٌّ على الضَّمِّ – مبنيٌّ على الألف – مبنيٌّ على الياء ).

وكم سهرتُ اللَّيالي – وأنا بعدُ صبيٌّ في الصَّفِّ الثَّالث الإعداديِّ – وأنا أكلِّم نفسي وأسأل في حيرةٍ:
– لماذا المنادى الوارد بعلامة رفع مبنيٌّ وليس مرفوعًا؟!!
– والأعجب: عندما يعربون (مسلمون ) في: يا مسلمون .. منادى مبنيٌ على الواو .. فما معنى (مبنيٌّ على الواو )؟!!!
وواللهِ كنتُ أعدُّ القول (مبنيٌّ على الألف ) و (مبنيٌّ على الواو ) أعجب عبارتَين في العالم!!!!

إنَّ البناء يعني – من ضمن ما يعني – ثبات نطق وتشكيل الكلمةٍ على حالةٍ واحدةٍ مهما تغيَّر موقعها في الكلام:
– ذهبتُ: مبنيٌّ على السُّكون .. والسَّبب السُّكون الدَّائم للباء ما دام الفعل متَّصلا بتاء الفاعل
– ذهبوا: مبنيٌّ على الضَّمِّ .. والسَّبب ثبات الضَّمِّ على الباء ما دام الفعل متَّصلا بواو الجماعة
– منذُ: مبنيٌّ على الضَّمِّ .. لورود الذَّال مضمومةً أيًّا كان موضع الكلمة
– الآنَ: مبنيٌّ على الفتح .. لورود النُّون مفتوحةً أيًّا كان موضع الكلمة
وهكذا ..
فما معنى (مبنيٌّ على الواو ) و (مبنيٌّ على الألف )؟!!!!

وعندما التحقتُ بالمرحلة الثَّانويَّة، ودرستُ (لا ) النَّافية للجنس، تكرَّرت معي نفس الحيرة:
– لا منفقِي مال (منادى منصوب بالياء )
– لا منفقِين مالا (منادى منصوب بالياء )
– لا منفقِين (منادى مبنيٌّ بالياء )

بل كانت الحيرة هنا مضاعفةً؛ ففي حين أنَّ المنادى قد يرد بعلامة رفع، وقد يرد بعلامة نصب، فإنَّ اسم (لا ) لا يرد إلا بعلامة النَّصب. فمال الدَّاعي إذن لذلك القول العجيب (مبنيٌّ على الياء )؟ ولماذا لم نقل (منصوب بالياء )؟

هذه العبارات الثَّلاث أطارت النَّوم من عيني، وشغلتني وكدَّرت حياتي شهورًا وسنوات، حتَّى تقدَّم بي السِّنُّ ووصلتُ إلى مرحلة النُّضج الفكريِّ .. وهي المرحلة التي أدركتُ فيها أنَّ النُّحاة القدامى قد بذلوا مجهودًا خرافيًّا .. وأنَّهم لم يدعوا هفوةً ولا ذَلَّة .. فجزاهم الله خيرًا.

نعم يا إخواني ..
أنا اليوم مقتنعٌ تمام الاقتناع بصحَّة وجهة نظر النُّحاة في القول بالبناء على حرفٍ.

أنا مقتنعٌ اليوم مليون في المائة بأنَّ:
1 – يا مسلمِين منادى منصوب .. بينما: يا مسلمون .. منادى مبنيٌّ (ولا يصحُّ أن نقول مرفوع ).
2 – لا منفقِين: اسم (لا ) هنا مبنيٌّ على الياء، ومن المستحيل القول (منصوب بالياء ).

لقد أدركتُ بعد كلِّ هذه السَّنوات لماذا اُضطُرَّ النُّحاة اضطرارًا إلى القول بالبناء على الحرف (الألف – الواو – الياء )، رغم أنَّ هذه الحروف يُفترَض أنَّها علامات إعراب، ومن المستحيل أن تكون حروف بناء.

أوَّلا: المنادى:
لم يدعُ النُحاة إلى القول بالبناء على الألف والواو، إلا أنَّهم لاحظوا أنَّ المنادى النَّكرة المقصودة والعَلَم المفرد، وبالتَّحديد ما كان منهما مفردًا (عدديًّا ) أو جمع تكسيرٍ أو جمع مؤنَّثٍ سالم، لم يرد في كلام العرب أبدًا إلا بضمَّةٍ واحدةٍ (يا رجلُ – يا محمَّدُ – يا رجالُ – يا فتياتُ ) بضمَّةٍ واحدةٍ لا ضمَّتَين؛ فاضطُرُّوا أوَّلا إلى القول ببنائه على الضَّمِّ، ثمَّ اُضطُرُّوا ثانيًا إلى تعميم القاعدة على المنادى النَّكرة المقصودة والعَلَم المفرد عندما يكونان مثنَّى أو جمع مذكَّرٍ؛ ليُجبَروا إجبارًا على عدِّ (يا رجلان ) مبنيَّة على الألف، وعلى عدِّ (يا مؤمنون ) مبنيَّة على الواو (رغم غرابة القول بذلك ).

ثانيًا: (لا ) النَّافية للجنس:
اسم (لا ) المفرد (غير المضاف ولا الشَّبيه بالمضاف ) قد يكون:
1 – مفردًا (عدديًّا ): لا منفق
2 – جمع تكسير: لا رجال
3 – مثنَّى: لا منفقَين بفتح القاف
4 – جمع مذكَّر: لا منفقِين بكسر القاف
5 – جمع مؤنَّث: لا فتيات

كلُّ أسماء (لا ) في هذه الجمل وردت بعلامة نصبٍ: الفتحة (1 – 2 ) – الياء (3 – 4 ) – الكسرة (5 ).

ورغم ورود الاسم في جميع الجمل بعلامة نصبٍ، إلا أنَّ النُّحاة اُضطُرُّوا اضطرارًا إلى القول ببناء الاسم هنا على علامة نصبه (بالرَّغم من غرابة البناء على الياء )، وذلك لسببٍ واحدٍ:
وهو أنَّهم وجدوا العرب لا ينطقون اسم (لا ) المفرد (غير المضاف والشَّبيه بالمضاف ) إلا بفتحةٍ واحدةٍ عندما يكون مفردًا أو جمع تكسير (لا رجلَ – لا رجال )، ولم يقولوا: لا رجلا – لا رجالا.

ولا ينطقون اسم (لا ) جمع المؤنَّث إلا بكسرةٍ واحدةٍ (لا فتياتِ ) بكسرةٍ واحدةٍ، لا بكسرتَين: لا فتياتٍ.

وهنا استقرَّ في يقين النُّحاة أنَّ اسم (لا ) غير المضاف ولا الشَّبيه بالمضاف، عندما يكون مفردًا (عدديًّا ) أو جمع تكسيرٍ، يكون مبنيًّا على الفتح، ثمَّ اُضطرُّوا – قياسًا على ذلك – إلى عدِّ الاسم غير المضاف ولا الشَّبيه بالمضاف عندما يكون مثنَّى أو جمع مذكَّرٍ سالمًا مبنيًّا أيضًا (وهنا لا مفرَّ من القول ببنائه على علامة نصبه .. رغم غرابة ذلك كما أسلفنا ).