الكهنة، والكهانة، والكهنوت، في النَّحو!!
الكهنة، والكهانة، والكهنوت، في النَّحو!!
بقلم الأستاذ/ يسري سلال
برعاية موقع نحو دوت كوم
سأقسِّم مقالي إلى 3 أجزاء، وسامحوني مقدَّمًا على الإطالة:
أوَّلا: حقائق مهمَّة
ثانيًا: مقدَّمة لا بدَّ منها
ثالثًا: ندخل في الموضوع!!
أوَّلا: حقائق مهمَّة:
1 – لا أرسل طلبات صداقة نهائيًّا؛ لأسبابٍ خاصَّةٍ بالفيس بوك، والذي يحظر الحسابات أحيانًا؛ بادِّعاء إرسال طلبات صداقة إلى أشخاصٍ لا تعرفهم، حتَّى لو كان المضاف رفيق حياتك أحيانًا!!
2 – لا أرفض أيَّ طلبات صداقة تصلني
3 – كلَّ شخصٍ أرسل لي طلب إضافة شرَّفني بهذا الطَّلب، وأعتبر طلبه لصداقتي مدعاة للفخر
4 – لا أتابع أحدًا على الإطلاق، ولا أتصفَّح الصَّفحات الشَّخصيَّة لأيِّ شخصٍ، كائنًا مَن كان، لا كبرًا، ولا تعاليًا، ولا حطًّا من شأن الآخرين، يعلم الله، ولكن لانشغالي الدَّائم والمستمرّ والكامل بتطوير موقعي .. موقع نحو دوت كوم
5 – لا أتفاعل، ولا أشارك، ولا أضغط لايك غالبًا؛ لنفس السَّبب السَّابق، بل ونادرًا ما أتفاعل حتَّى مع التَّعليقات على منشوراتي
6 – لا يعنيني ثناء المادحين، ولا يهمُّني نقد النَّاقدين، وسأعبِّر عن رأيي، بغضِّ النَّظر عن هذا وذاك، مع احترامي لكلَيهما، ولن أكتب ما تؤمن به أنت وتنتظره، وإنَّما سأكتب ما أؤمن به أنا،
ولن أغيِّر قناعاتي – أيُّها المنتقد الغاضب – لأنال شرف رضا سيادتك.
ثانيًا: مقدِّمة لا بدَّ منها:
إذا قلنا: مصر استصلحت أراضيها، في سياقٍ ما، وليس بشكلٍ مقطوعٍ عن أيِّ سياق، وطلبنا إعراب كلمة (أراضيها )، فانقسم المشاركون كالتَّالي:
– (س ) انحاز إلى أنَّها مفعول به؛ باعتبار الفعل قبلها مبنيًّا للمعلوم.
– و (ش ) رأى أنَّ السِّياق الذي وردت فيه العبارة يوجب كونها نائب فاعل؛ ولذا فهو يرفض إعرابها مفعولا به.
– و (ص ) رأى أنَّ الوجهَين جائزان سواءً بسواء.
– بينما (ط ) رأى – مخالفًا للجميع – بأنَّها وقعت مضافًا إليه!!
فمن الطَّبيعيِّ أنَّ (س ) و (ش ) و (ص ) يجمعهم معسكر واحد، وتضمُّهم أرضيَّة مشتركةٌ، ويمكن – بالحوار العقلانيِّ المحترم – تقريب وجهات نظرهم، حتَّى الوصول إلى الرَّأي الصَّائب.
في حين أنَّ رؤية (ط ) هي الرُّؤية الأغرب والأكثر شذوذًا، بل والأبعد عن العقل والمنطق والتَّصوُّر؛ إذ لا يمكن أن يكون المضاف فعلا؛ ولذا فهي مرفوضة شكلا وموضوعًا.
ولكن، مع ذلك، ومع بُعد الإجابة الأخيرة عن التَّفكير المنطقيِّ السَّليم، فإنَّ صاحب هذه الإجابة لا يجوز أن يُجلَدَ، ويُهَان، ويُشَهَّر به، وإنَّما يُنَاقَش في علَّة وجوب استبعاد ما يقول، بالعقل والمنطق أيضًا، ومع كلِّ الاحترام.
فإذا وجدنا (ص ) الذي يتحيَّز إلى جواز الوجهَين، لا يكتفي فقط باحتقار (ط ) وازدرائه، وإنَّما، وياللعجب، يحمل وبشدَّةٍ، ويهاجم بضراوةٍ (س ) و (ص )، ويتَّهمهم بالتَّضليل، وبنشر الفاحشة، وبـ (رفض الثَّوابت )!! فماذا عسانا نقول؟!!
ثالثًا: ندخل في الموضوع!!
أوَّل أمس، نشرت مقالا عن (رؤيتي الشَّخصيَّة ) لإعراب جملة (الحديقة مثمرة أشجارها )،
وفي بداية مقالي اعترفت بأنَّ ثمَّة خلافًا في إعراب الجملة، وتحديد نوع الخبر فيها، وأنَّ فريقًا
يرى أنَّ الخبر مفرد، وهو كلمة (مثمرة )، وأنَّ أنصار هذا الفريق يعدُّون (أشجارها ) فاعلا
لاسم الفاعل قبلها، بينما فريق آخر يرى أنَّ إعراب (أشجارها ) مبتدأ ثانٍ مؤخَّر، وأنَّ أصل
الجملة (الحديقة أشجارها مثمرة )، ومن ثّمَّ، فإنَّ الخبر – من وجهة نظرهم – جملة اسميَّة.
ثمَّ أوضحت أنَّني أنحاز إلى الفريق الأوَّل، وعرضتُ مبرِّري للانحياز إلى هذا الرَّأي، مفنِّدًا إعراب الفريق الآخر، مبديًا اعتراضي عليه في ثلاث نقاط.
إذن، فقد كان طرحي للقضيَّة علميًّا تمامًا؛ حيث:
أ – عرضتُ المسألة.
ب – أعلنت بكلِّ شفافية أنَّها موضع خلاف.
ج – بيَّنت الرَّأيَين الواردَين فيها.
د – أوضحت رأيي المتواضع في المسألة.
هـ – قدَّمت مبرِّراتي العقليَّة والمنطقيَّة للانحياز إلى ما انحزتُ إليه.
و – لم أسفِّه رأي الطَّرف الآخر، أو أشوِّه أصحابه.
ز – لم أدَّعِ أنَّني أنقل عن أيِّ مصدر، وإنَما بيَّنتُ، بوضوحٍ كاملٍ، أنَّ هذا هو رأيي الشَّخصيّ.
ح – لم أعلن أنَّني علَّامة عصري، وأنَّني عبقريُّ الزَّمان، وأنَّ كلَّ ما عداي باطل، وأنَ كلَّ مَن يخالفني ضالٌّ.
وبدأت التَّعليقات ترد، وكان أغلبها مؤيِّدًا، حتَّى فُوجِئت بتعليقٍ بالغ الحدَّة من أحد الأخوة،
والذي اقتحم حياتي وخصوصيَّتي ونصب لي محاكمة استنزفت جهدي ووقتي وصحَّتي،
وأتبع تعليقه الأوَّل، ولساعتَين كاملتَين، بحملةٍ عاتيةٍ من التَّعليقات التي كانت في جملتها
مسيئة وجارحةً؛ حيث:
1 – رأى أنَّني (أخالف الثَّوابت ).
2 – اعتبر أنَّني أنشر الأخطاء، و (ما يعني ) أنَّني أزيِّف الوعي، وأضلِّل متابعيَّ.
3 – إنَّ مثلي يجب (أن يتَّقي الله ) فيما ينشره؛ لأنَّ الكثيرين يتَّبعونني، و (ينخدعون بما أكتب ).!!
ومن الإنصاف أن أقرِّر أنَّه أورد بعض المقتطفات التي رأى أنَّها تؤيِّد ما يذهب إليه من جواز
تقديم الخبر على المبتدأ، بلا ضابطٍ، حتَّى في مثل قولك: مجتهد الطَّالب!! التي رأى سيادته
أنَّها صحيحة تمامًا بـ (إجماع النُّحاة )!! رغم غرابتها وعدم منطقيَّتها، وأنَّ أيَّ خبر في العالم
إمَّا أن يكون واجب التَّقديم، وإمَّا أن يكون جائز التَّقديم.
كان يرسل التَّعليق تلو التَّعليق، حتَّى كنت ألهث وأنا أردُّ عليه، وكنت ألتزم بالموضوعيَّة في الرَّدِّ، وبأقصى درجةٍ ممكنةٍ من ضبط النَّفس، رغم أنَّ الأخوة علَّقوا معترضين على لهجته، وعلى أسلوبه، ورغم حالتي الصِّحِّيَّة المتدنِّية. وظلَّ لمدَّة ساعتَين يرسل تعليقاته المحمومة، والحادَّة، والتي يقرِّر فيها أنَّ الحقَّ معه بشكلٍ مطلقٍ، وأنَّني أخالف (إجماع النُّحاة )!!
ثمَّ قرَّر، لا فضَّ فوه، وبجرأةٍ يُحسَد عليها، أنَّني (يجب أن أحذف هذا المنشور، وفورًا )!!!!
ومن ضراوة حملته، وقسوة لهجته وأسلوبه، لم أفهم موقفه طوال ساعتَين من الجدل، حتَّى قرَّرتُ أن أسأله: يعني هل أفهم أنَّ موقفك أنَّ كلمة (أشجارها ) قد وقعت فاعلا للاسم المشتقِّ، أم مبتدأ مؤخَّرًا؟! فصدمني بالقول: إنَّ كليهما صحيحان!!!! ههههههه
هكذا وربِّ الكعبة!!
اعتقدت، من فرط حدَّته، وهجومه المبالغ فيه، أنَّ القول بإعمال المشتقِّ هنا، وبأنَّ الخبر مفرد، وإعراب (أشجارها ) فاعلا، كفرٌ بواح، يجب أن يُستتاب قائله!! حتَّى أقرَّ سيادته أنَّه يرى
جواز الوجهَين، بما يعني أنَّ ما ذهبت إليه، على أقلِّ تقدير، وجه صحيح من كلا وجهَين يقرِّهما
هذا الهُمام!! وأنَّ سبب اعتراضه أنَّني أنفي الوجه الآخر، وهو تقديم الخبر، الذي رأيتُ أنَّه
بلا مسوِّغٍ في الجملة.
واعتبر أخونا أنَّ ما يقوله، وما يذهب إليه، هو الحقُّ المطلق، الذي لا يخالطه الشَّكُّ، وأنَّه
لا يحقُّ لي – على حدِّ قوله – أن آخذ بعض آراء النُّحاة القدامى، الذين ادَّعى بالخطأ أنَّهم
مجمعون على ما قال، وأن أردَّ بعضه، وأنَّه ليس أمامي – في زعمه – إلا أن أقبله كلَّه،
أو أردّه كلّه!! وأنَّه ينطبق عليَّ الآية “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض “، ليرتكب
سيادته عدَّة خطايا:
1 – جعل نفسه وصيًّا، بلا حقٍّ، على أقوال النُّحاة الأوائل.
2 – ادَّعى أنَّهم مجمعون على أنَّ تقديم الخبر على المبتدأ، حتَّى بدون أيِّ مسوِّغ، جائز في جميع الأحوال، وهذا غير صحيح؛ فهناك مَن أجازه، وهناك مَن منعه بلا مسوِّغ.
3 – أعطى نفسه الحقَّ أن يقرِّر ما هي (الثَّوابت ) النَّحويَّة التي لا يجب مخالفتها، ولا حتَّى مناقشتها، بل وادَّعى أنَّ تقديم الخبر على المبتدأ، الجائز – في رأيه – في جميع الأحوال، في مرتبة رفع الفاعل ونصب الحال!!
ههههه .. وما دام تقديم الخبر على المبتدأ جائزًا في جميع الأحوال .. فلماذا حدَّد النُّحاة حالاتٍ لـ (وجوب ) تقديم الخبر على المبتدأ، وحالاتٍ لـ (جواز التَّقديم )؟؟!! ولماذا لم يحدِّدوا حالات الوجوب، ثمَّ يقولوا: كلُّ ما عدا ذلك جائز؟؟!!
وما دامت (الحديقة مثمرة أشجارها ) = (الحديقة أشجارها مثمرة )، وأنَّ (أشجارها ) في الجملتًين مبتدأ، فلِمَ ترد مثل هاتَين الجملتَين في جميع الامتحانات والكتب، وتطالب بإعراب (أشجارها ) في كلتا الجملتَين، ما دام إعرابهما – من وجهة نظره – واحدًا؟؟!!
4 – جعل كلام النُّحاة الأوائل، رغم اختلافهم هم أنفسهم، وشخصيًّا، على أغلب قواعد النَّحو، في مرتبة (الكتاب )، الذي عليك إمَّا أن تقبله كلَّه، وإمَّا أن ترفضه كلَّه .. بدون أيِّ حلولٍ وسط.
فليس من حقِّك – في رأيه – أن (تناقش ) كلامهم مجرَّد مناقشة، رغم أنَّه في الحقيقة كلامٌ بشريٌّ، يعتريه القصور والشُّذوذ أحيانًا،؛ لأنَّه عنده من (الثَّوابت )، ومن المعلوم بالضَّرورة!!
وليس من حقِّك أيضًا أن تخالف (بعض ) كلامهم، وإنَّما عليك أن تختار: إمَّا أن تبتلعه كلَّه، ولو قسرًا، وإمَّا أن ترفضه كلَّه!!
سبحان الله!!
لا يا عزيزي، سأقبل منه ما أراه صحيحًا، وما يتوافق مع العقل والمنطق، وأردُّ منه ما يتناقض معهما. وسأناقش كما أشاء، وأفنِّد ما أراه يستحقُّ التَّفنيد، وكلامهم البشريُّ ليس مقدَّسًا عندي كما هو مقدَّس عندك، وهم قالوا إنَّه لا يجوز مطلقًا التَّعجُّب أو صياغة اسم التَّفضيل من الفعل الجامد والفعل المبنيِّ المجهول، واعترضت على ذلك، وبيَّنتُ خطأه، وبالدَّليل، وغير ذلك من القضايا التي عرضتها هنا، وناقشتها، بكلِّ سعة أفق.
ومع احترامي لك يا أخي العزيز، فرأيك لا يعنيني، ولا أريد أن أعرفه من الأساس، وأضعه بالكامل وراء ظهري، ورضاك عمَّا أكتبه لا يشغلني، ويمكنك، عوضًا عن محاكمتي، على صفحتي، أن تستعرض عضلاتك كما تشاء على صفحتك.
أخونا الفاضل لا يكفيه أنَّني أوافقه رأيًا من رأيَين، ولا يرضيه إلا الانسحاق الكامل والمطلق
لرؤيته الشَّخصيَّة التي يتوهَّم أنَّها الحقُّ والثَّوابت، ووجهة النَّظر التي يتصوَّر أنَّها الوحيدة الصَّحيحة، ويطالبني بأن أحذف المنشور، فقط لأنَّه ربَّما يقول لـ (العيال في الدَّرس ) إنَّ أصل الجملة (الحديقة أشجارها مثمرة )، وهو لا يتخيَّل أنَّ هناك في الكون مَن يمكن أن يختلف معه.
واللهِ الذي لا إله إلا هو، لا أعرفه، ولم أطلب صداقته، ولم يسبق لي في حياتي أن قرأتُ له
منشورًا، وهذا ليس تقليلا من شأنه، فقد يكون على علمٍ كثيرٍ، وقد يكون أفضل منِّي، بل هو
بالتَّأكيد أفضل منِّي، ولكنَّني لا أعرفه، وذلك بسبب انشغالي، ولا شيء غير ذلك.
لم أحلِّل حرامًا، أو أحرِّم حلالًا، أو أُبح شُرب الخمر مثلا!!
ولم أقتحم صفحته، وإنَّما كتبت رأيي الشَّخصيَّ، على صفحتي الشَّخصيَّة، وأعلنت ما أؤمن به، بلا ضررٍ ولا ضرار.
لم أُسئ إلى أحد، ولم أحتقر أحدًا، ولم أسلبه هو أو غيره الحقَّ في مخالفتي، ولم أعلن أنَّني أملك الحقَّ المطلق، وإنَّما ناقشت بكلِّ احترامٍ وتحضُّر.
فيا إخواني وأحبَّتي ..
– إذا شرَّفتني بإرسال طلب صداقة .. وقبلته.
– وإذا قرَّرت، طائعًا مختارًا، أن تتابع ما أكتب.
فاعلم ..
– أنَّني أكتب هنا رؤيتي الشَّخصيَّة، التي قد تكون صحيحةً، وقد تكون غير ذلك.
– أنَّني أقلُّ عباد الله علمًا وإلمامًا بقواعد النَّحو، وأنَّني فقط أجتهد، متمنِّيًا من الله أن أصيب.
– أنَّني أحترم الرَّأي الآخر وأقدِّره، فقط إذا لم يتطاول صاحبه عليَّ، أو يدَّعِ أنَّه الوحيد في الكون الذي يملك الحقَّ المطلق.
فإذا كنت تنوي ..
أن تشقَّ عليَّ بهجومك ..
أو أن تسلقني بألسنة حداد ..
أو أن تجرَّني إلى معارك عبثيَّة .. تشغلني عن همومي الشَّخصيَّة (وهي كثيرة على فكرة ) وعن حالتي الصِّحِّيَّة (التي هي في الحضيض واللهِ ) ..
أو أن تحلّ دمي؛ لمجرَّد أنَّني أناقش ما (تتوهَّم ) أنت أنَه من (الثَّوابت ) التي لا يجوز مناقشتها ..
وإن كنتَ ترى أنَّ أقوال الأقدمين حّرَمٌ لا يُمَسُّ، ولا يُناقَش ..
وإذا كنتَ من أنصار (الكهانة ) .. وستقول: ومَن أنت حتَّى تتجرَّأ وتناقش أقوال النُّحاة القدامى؟!!
فبالله عليك ..
احذفني من قائمة أصدقائك؛ فتريح وتستريح!!
الصراحة شيمتك استاذنا الحبيب
دمت دوما فخرا للنحو الله يوفقك
مقال في المستوى ابدعت استاذ يسري