إستراتيجية السحب (الإيهام ) – من كتاب (سرقة العقول )
نموذج جديد من كتاب (سرقة العقول ) للأستاذ/ يسري سلال
الكتاب الرَّابع في موسوعة (الألغاز النَّحويَّة )
إستراتيجية السحب (الإيهام )
اسحب المتسابق سحبًا إلى جهةٍ معيَّنةٍ، واجعله يقتنع تمامًا بالوجهة التي سحبته إليها، ثم اجعله يكتشف أنَّه كان واهمًا، وأنَّ وجوده في هذه الجهة خطأ من البداية.
أ – ففي جملةٍ مثل هذه: متى يظهر الهلال فلا يجُز الصوم. وضعنا له عدَّة أنواعٍ من الطُعم:
1 – أداة الشرط الجازمة.
2 – جواب الشرط المقترن بالفاء.
3 – (لا ) .
ثم قلنا له: في هذه الجملة خطأ نحويٌّ. صوِّبه.
هنا نسحب المتسابق إلى جهة: أنَّ جواب الشرط المقترن بالفاء غالبًا لا يكون مجزومًا، وحين ينتشي المتسابق تمامًا معتقدًا أنَّه اكتشف اللغز الكبير، يجيب فورًا – وبلا تفكير – بأنَّ الصواب: متى يظهر الهلال فلا يجوز الصوم. ونفاجئه نحن بالمفاجأة الساحقة، وهي أنَّنا سحبناه إلى جهة: جواب الشرط المقترن بالفاء لا يكون غالبًا مجزومًا، في حين أنَّ الوجهة الحقيقيَّة للسؤال كانت في صحَّة اقتران جواب الشرط في الجملة أصلا بالفاء، وأنَّ الخطأ الحقيقيَّ في الجملة هو اقتران جواب الشرط بالفاء بدون مسوِّغ، وتأتي المفاجأة الثانية الناتجة عن استخدام (لا ) النافية؛ لأنَّ المتسابق غالبًا سيعتقد أنَّ الإجابة الصحيحة: متى يظهر الهلال لا يجُوز الصوم؛ لأنَّ عند أغلب الطلبة يقينًا زائفًا بأنَّ ما بعد (لا ) النافية يكون مرفوعًا، مع أنَّ الصحيح أنَّ (لا ) النافية لا تؤدِّي إلى رفع ما بعدها بأيِّ حالٍ من الأحوال، بل ولا تؤثِّر فيه من الأساس؛ وعلى ذلك فإنَّ فعل جواب الشرط بعدها مجزوم: متى يظهر الهلال لا يجُز الصوم.
ب – وإذا طلبنا من المتسابق إدخال (إنَّ ) على هذه الجملة: لأنتَ مجتهد؛ فإنَّه سيعتقد أنَّ كلَّ الهدف من السؤال هو تحويل الضمير المنفصل (أنت ) إلى الضمير المتَّصل (كاف الخطاب ) ؛ لتكون الإجابة: إنَّك مجتهد، بينما هناك هدف إضافيٌّ شغله الهدف الأوَّل عن الانتباه له، وهو لام الابتداء في (لأنت ) والتي سـ (تتزحلق ) لتدخل على الخبر بعد دخول (إنَّ ) على الجملة: إنَّك لمجتهد.
ج – وعندما نطلب من المتسابق أن يبيِّن حكم توكيد الفعل في الجملة بالنون في جملة: ألا تتمسَّك بقيمك؟ فالطُّعم في الجملة هو الفعل المضارع الدالُّ على طلب لسبقه بالاستفهام، والمعروف أنَّ المضارع الدالُّ على طلب جائز التوكيد بالنون، وهو الطُّعم الذي يُعمِي المتسابق تمامًا عن الانتباه إلى الحقيقة الأخرى التي تهدم التوكيد بالنون من أساسه، ألا وهو كون الاستفهام منفيًّا، والفعل المنفيُّ ممتنع التوكيد بالنون!!
د – لا طالب ناجح مهمل.
إذا طلبنا من الطالب تصويب هذه الجملة، فلا شكَّ أنَّه سيحتار في تحديد الخطأ، وسينصرف ذهنه إلى شيء غير صحيحٍ في الواقع؛ حيث سيعتقد أنَّ اسم (لا ) في الجملة يتكوَّن من أكثر من كلمة؛ ولذا فلن يكون هناك حلٌّ في نظره إلا تنوين الكلمتين: لا طالبًا ناجحًا مهمل؛ فبما أنَّه لا يوجد كلمة واحدة في الجملة تُعرَب بالحروف، فلا بديل عن الشكِّ في التنوين، ولكنَّ الحقيقة أنَّ اسم (لا ) في الجملة نوعه: مفرد؛ لأنَّه لو كان مضافًا لأُعرِب ما بعده مضافًا إليه، ولو كان شبيهًا بالمضاف لكان ما بعده معمولا لاسمٍ مشتقٍ، أو جارًّا ومجرورًا، ولكن بما أنَّ إعراب (ناجح ) : نعت؛ فإنَّ اسم (لا ) في الجملة نوعه: مفرد، والمفارقة الأشدُّ في الجملة ليست فقط في عدم جواز تنوين كلمة (رجل ) ؛ لأنَّها أساسًا مبنيَّة، وإنَّما في وجوب تنوين كلمة (ناجح ) رغم ذلك؛ لأنَّ المنعوت في الجملة مبنيٌّ، بينما لا سبب لبناء النعت، وعلى ذلك فالصواب: لا طالب ناجحًا مهمل!!
هـ – مَن يحفظوا القرآن في الصغر ويكثرون من قراءته أصح الناس نطقًا. أعد كتابة الجملة، بعد تصويب ما بها من أخطاء.
تستولي على عقل المتسابق تمامًا وهو يقرأ هذه الجملة فكرة أداة الشرط الجازمة (مَن ) ، وينساق وراء هذا الوهم؛ فيسارع إلى جزم (ويكثرون ) بحذف النون، ويفوته أنَّ (مَن ) في الجملة موصولة لا شرطيَّة، وأنَّ الصواب هو رفع ما يعتقد أنَّه فعل الشرط (يحفظوا ) ؛ ليكون الصَّواب: مَن يحفظون القرآن في الصغر ويكثرون من قراءته أصح الناس نطقًا.
و – ما كان لتقدّم بلادنا معنى إلا بالاجتهاد. وضِّح نوع اللام في الجملة.
في هذه الجملة نسحب المتسابق بالكون المنفيِّ في بداية الجملة، وباللام بعدها، ثم بما يظنُّ أنَّه فعل مضارع منصوب، ولا يكتشف إلا بعد فوات الأوان أنَّ كلَّ هذه الطبقات من الأوهام تمَّ استدراجه إليها؛ فاللام هي لام الجرِّ، و (تقدُّم ) اسم وليس فعلا، وأنَّه تمَّ نصب هذا الفخِّ للإيقاع به: الكون المنفيِّ + اللام + المصدر الخماسيّ الذي اُختِير مع سبق الإصرار لكونه على نفس هيئة الفعل؛ لتكتمل خيوط المؤامرة، والتي تسفر في النهاية عن خطئه الكبير، ومن ثم عن درسٍ لا يُنسَى.
ز – من يبحث في آثار أجداده يجد كنوزا ……. عجائبها.
أ – لا تفنى.
ب – لا تفنَ.
ج – لن تفنَ.
ينساق عقل المتسابق وراء الفخ المنصوب له؛ فيتمُّ تخديره تخديرًا كلِّيًّا بفعل أداة الشرط الجازمة في بداية الجملة؛ فيربط عقله ربطًا شرطيًّا بين الأداة وجوابها الذي يجب أن يكون مجزومًا، ومن ثمَّ يختار (لا تفنَ ) ، دون أن يلتفت إلى حقيقة أنَّ جواب الشرط في الجملة هو (يجد ) وليس (لا تفنى ) ، وأنَّ (لا تفنى ) بالتالي لم تقع جوابًا للشرط، وإنّمَا وقعت نعتًا جملةً لكلمة (كنوزًا ) ، وبالتالي فالصواب: لا تفنى.
ح – البضاعة المباعة لا تعاد. صوِّب الخطأ.
ملاحظة: العبارة الأصليَّة: البضاعة المباعة لا تُرَدُّ ولا تُستبدَل، وتمَّ تعديلها؛ لإحداث الإلغاز المقصود.
هذا التعبير توارثته الأجيال، دون أن يظهر يومًا مَن يهتمُّ بتصويبه، ويقف المتسابق غالبًا متحيِّرًا وسائلا نفسه: كيف وأين يوجد الخطأ في مثل هذه الجملة؟
ومع أنَّه تمَّ سحب المتسابق ليتركَّز اهتمامه على الفعل (تُعاد ) ؛ فيعتقد أنَّ الخطأ ربَّما في كتابة الألف، خصوصًا مع وجود (لا ) ، إلا أنَّ الحقيقة أنَّ الفعل صحيح، وأنَّ اسم المفعول في الجملة مشتقٌّ من الفعل الثلاثيِّ (بِيع ) ؛ لذا فالصواب: (مَبيعة ) .
ط – إنَّ أخاك ……. الخلق الكريم محبوب.
أ – ذو.
ب – ذا.
ج – ذي.
تعتمد إستراتيجية السحب هنا على الوعي الذي سيربط لا إراديًّا، وبشكل أوتوماتيكيٍّ، بين اسم (إنَّ ) المنصوب بالألف؛ لأنَّه اسم من الأسماء الخمسة؛ وما يتصوَّره خبرًا لـ (إنَّ ) ؛ ممَّا يقرِّب من الذهن الاختيار الأوَّل، مع أنَّ الصواب هو الاختيار الثاني؛ إذ إنَّ إعراب (ذا ) : نعت؛ لأنَّ خبر (إنَّ ) هو (محبوب ) .
ي – لا وطن عادل يقبل بظلم أبناؤه. أعد كتابة الجملة بعد تصويب ما بها من أخطاء.
هذا سؤال مثاليٌّ لعدَّة أسباب:
1 – يتمُّ استدراج المتسابق بخطأ ظاهر (رفع كلمة [أبناؤه ] ، رغم استحقاقها للجرِّ ) ؛ لإلهائه عن الخطأ المستتر الأصليِّ.
2 – اسم (لا ) النافية للجنس في الجملة – رغم اعتماده على أكثر من كلمةٍ – مفرد مبنيٌّ، وليس مضافًا، ولا شبيهًا بالمضاف.
3 – فيما يخصُّ اسم (لا ) النافية للجنس، فإنَّ المتسابق معتاد على تنوين الكلمتين اللتين تشكِّلان الاسم معًا، أو تجريدهما معًا من التنوين (لا منفقًا مالا نادم – لا منفق مال نادم ) ؛ حيث إنَّ الاسم في الجملة الأولى شبيه بالمضاف، وفي الجملة الثانية مضاف، في حين تتمثَّل عبقريَّة الجملة التي بين أيدينا في أنَّها تخالف هذه القاعدة المعتادة؛ حيث الصواب عدم تنوين كلمة (وطن ) ؛ لأنَّ الاسم نوعه: مفرد مبنيٌّ، وتنوين النعت (كلمة [عادل ] ) ؛ فيكون الصواب: لا وطنَ عادلا يقبل بظلم أبنائه.
4 – للجملة فائدةٌ كبرى، تتمثَّل في هدم الظنِّ الخاطئ لدى الطلبة عن كون اسم (لا ) النافية للجنس المفرد يتكوَّن دائمًا – وعلى عكس الاسم المضاف والشبيه بالمضاف – من كلمةٍ واحدةٍ، والواقع أنَّه قد يعتمد على أكثر من كلمةٍ، بشرط ألا تكون الثانية مضافًا إليه (وإلا كان الاسم مضافًا ) ، أو معمولا لاسمٍ مشتقٍّ أو جارٍّ ومجرورٍ (وإلا كان الاسم شبيهًا بالمضاف ) .
ك – لم يستحِ اللصين من جريمتهما. أعد كتابة الجملة، بعد تصويب ما بها من أخطاء.
يتمُّ سحب المتسابق عبر نصب الفاعل في الجملة لتخدير وعيه كلِّيًّا عن خطأ غير مُتصوَّر، وهو حذف حرف العلَّة من (يستحي ) ، رغم ما قد يبدو من تناقضٍ بين كونه فعلا معتلَّ الآخر، ومجزومًا، وكتابته – في نفس الوقت – بحرف العلَّة في آخره!!
وتتضاعف الدهشة، بل ويتعاظم ذلك التناقض الموهوم عندما نؤكِّد أنَّ الفعل – رغم وجوب كتابته بالياء في آخره – مجزوم بحذف حرف العلَّة!!
وبيان ذلك أنَّ أصل هذا الفعل وجود ياءين في آخره (يستحيي ) ، وهكذا يُجزَم بحذف أحدهما: يستحي!!
ل – (متى نخلص في عملنا فننال النجاح ) . أعرب (نخلص ) .
ينساق المتسابق لا إراديًّا إلى (متى ) في بداية الجملة؛ فيسارع إلى إعراب (نخلص ) فعلا مضارعًا مجزومًا؛ باعتباره فعل الشرط.
للأسف، لا يتوقَّف الطَّالب لحظةً ليسأل نفسه: ما نوع (متى ) في بداية الجملة؟ وإنَّما تغرُّه المظاهر؛ فيقع في الفخِّ، ليكتشف – بعد فوات الأوان – أنَّ الفعل المضارع مرفوع؛ لأنَّ (متى ) في الجملة استفهاميَّة، لا شرطيَّة؛ فلو كانت شرطيَّة لما استحقَّ جواب الشَّرط الاقتران بالفاء؛ لعدم وجود مسوِّغٍ.
وهكذا يؤدِّي سقوطه في الفخِّ إلى درسٍ لا يُنسَى، خلاصته: تمهَّل، واقرأ الجملة – قبل الإجابة – جيِّدًا، ولا تندفع وراء المظاهر!!