سلسلة (النَّحو .. غرائب وطرائف ) – الحلقة الرَّابعة
سلسلة (النَّحو .. غرائب وطرائف ) – الحلقة الرَّابعة
للأستاذ/ يسري سلال
برعاية موقع نحو دوت كوم
ونستمرُّ في هذه السِّلسلة في استعراض ظواهر غريبة في النَّحو .. وظواهر طريفة .. تمتع العقل:
16 – يمكن أن يكون المستثنى مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا في نفس الجملة: [ما جاء من طالبٍ إلا أحمد ] ، فبما أنَّ الجملة في الحالة الثَّانية من الاستثناء (الأسلوب في الجملة تامٌّ منفيٌّ، وحرف الجرِّ قبل المستثنى منه زائد ) ، فإنَّه يجوز نصب المستثنى على الاستثناء، ويجوز إعرابه بدلا مجرورًا؛ باعتبار المستثنى منه في الجملة مجرورًا لفظًا، كما يجوز إعرابه بدلا مرفوعًا؛ باعتبار المستثنى منه مرفوعًا محلا (فاعل ) ، وعلى ذلك يجوز أن تقول:
أ – ما جاء من طلابٍ إلا أحمدَ [مستثنى منصوب ] .
ب – ما جاء من طلابٍ إلا أحمدُ [بدل مرفوع ] .
ج – ما جاء من طلابٍ إلا أحمدَ [بدل مجرور، وعلامة الجرِّ الفتحة؛ لأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف ] .
17 – من الطَّرائف في اللغة العربيَّة أنَّ الفعل بعد (لا ) النَّافية، قد يكون مرفوعًا: المجتهد لا [يهملُ ] ، وقد يكون منصوبًا: يجب ألا [تهملَ ] ، وقد يكون مجزومًا: إن لا [تهملْ ] تنجحْ.
18 – المقصود بـ (المفرد ) في النَّحو:
أ – ما ليس مثنَّى، ولا جمعًا، كما في قولنا: المفرد يُرفَع بالضَّمَّة.
ب – ما ليس جملةً، ولا شبه جملة، كما في قولنا: الخبر في جملة (التِّلميذان مجتهدان ) نوعه: مفرد.
ج – ما ليس مضافًا، ولا شبيهًا بالمضاف، كما في قولنا: اسم (لا ) النَّافية للجنس في جملة (لا مهملين ناجحون ) نوعه: مفرد.
19 – الضَّمير الوحيد الذي يصحُّ مجيئه فاعلا أو نائب فاعلٍ، ويصحُّ مجيئه مفعولا به هو (نا ) ، ورغم عدم معرفة الكثيرين عن الضَّمير (نا ) إلا أنَّها (نا ) الفاعلين، إلا أنَّ حالات مجيئها مفعولا به ([نا ] المفعولَين ) أضعاف حالات مجيئها فاعلا.
– فهي تُعرَب مفعولا به في الحالات التَّالية:
أ – إذا اتَّصلت بالفعل المضارع: أصدقاؤنا يساعدونا.
ب – إذا اتَّصلت بفعل الأمر: اللهمَ توفَّنا مسلمين.
ج – إذا اتَّصلت بفعلٍ ماضٍ، وكان ما قبلها مفتوحًا: زارَنا أقاربنا.
– بينما لا تُعرَب فاعلا، إلا إذا اتَّصلت بفعلٍ ماضٍ تامٍّ، وكان ما قبلها ساكنًا: نصرْنا الله.
20 – لم (تَسَعْ ) البنت الفرحة بنجاحها.
أعتبر هذا الفعل من أغرب الأفعال في اللُّغة العربيَّة، ولمَن لا يعلم، فإنَّ أصله: وسع، إلا أنَّ أصل الفعل ليس سبب اعتباري له من أكثر الأفعال غرابةً، وإنَّما السَّبب أنَّ (البنت ) مفعول به مقدَّم، و (الفرحة ) فاعل مؤخَّر، وهذا ما يحيِّرني.
بالنِّسبة لي، فإنَّني أدرك تمامًا هذه الحقيقة، وأفهم أنَّ الفاعل هنا مؤخَّر، والمفعول به مقدَّم، ولكنَّ السِّرَّ في حيرتي، أنَّني لا أستطيع توصيل هذه المعلومة لتلاميذي؛ فكيف أثبت لهم أنَّ التَّرتيب الصَّحيح للجملة هو: لم تسع الفرحة البنت، وليس: لم تسع البنت الفرحة؛ لأنَّ السُّؤال المهمَّ في مثل هذه الحالة هو: مَن الذي قام بالفعل؛ لأعتبره فاعلا؟ ومَن الذي وقع عليه الفعل؛ لأعتبره مفعولا به؟ والإجابة هنا – بالنِّسبة لذهن الطَّالب القاصر – شبه مستحيلة؛ وأغلب مَن رأيتُهم يندهشون، ويؤكِّدون أنَّ مَن قام بالفعل هو (البنت ) وليس (الفرحة ) ، وذلك بسبب غموض العلاقات في الجملة، وأخيرًا اهتديتُ إلى الحلِّ:
والحلُّ هو إعادة صياغة الجملة كالتَّالي (لكي أؤكِّد لهم أنَّ الفاعل هي [الفرحة ] لا [البنت ] ) :
– البنت لم تَسَعْهَا الفرحة بنجاحها.
ثمَّ أدير الحوار التَّالي مع مَن لا يقتنع بوجهة نظري:
س: هل تتَّفق معي أنَّ صياغة الجملة بهذه الطَّريقة صحيحة؟
ج: نعم.
س: هل ترى ثمَّة تناقضًا بين قولي: لم تَسَعْ البنت الفرحة بنجاحها، وقولي: البنت لم تَسَعْهَا الفرحة بنجاحها؟
ج: لا، لا أرى تناقضًا.
س: حسنًا، على مَن تعود هاء الغيبة في (تَسَعْهَا ) بالجملة الجديدة؟
ج: على (البنت ) .
س: ألا يمكن أن تكون عائدةً على (الفرحة ) ؟
ج: لا، بل هي تعود – بلا شكٍّ – على البنت.
س: حسنًا، فما إعراب هاء الغيبة في الجملة؟ بل ما إعراب هاء الغيبة في أيِّ فعلٍ تتَّصل به؟
ج: مفعول به.
– إذن، وبما أنَّ هاء الغيبة إعرابها: مفعول به، وبما أنَّها تعود على كلمة (البنت ) ؛ إذن – وبالعودة إلى الجملة الأصليَّة – فإنَّ إعراب كلمة (البنت ) : مفعول به، وبالتَّالي يكون إعراب كلمة (الفرحة ) : فاعل!!!!
ملاحظة:
يمكنكم – إن شئتُم – قراءة المقال / التَّدوينة .. على حسابنا الشَّخصيِّ بموقع (نحو دوت كوم ) .. من خلال الرَّابط التَّالي: