سلسلة تصحيح المفاهيم – الحلقة السَّادسة

يسري سلال 01 مايو 2018 | 10:29 م قضايا نحويَّة 2216 مشاهدة


     أسوأ ما يمكن أن تفعله، كمدرِّسٍ للُّغة العربيَّة، أن تحاول صياغة قواعد ثابتة و (مسلَّمات ) في النَّحو؛
فالنَّحو العربيُّ لا يعرف المسلَّمات غالبًا، وإنَّما معظم القواعد نسبيٌّ، وليس ثابتًا، وأنت حينما تحاول
وضع (ثوابت ) ؛ معتقدًا أنَّك بذلك تيسِّر على طلابك، وتساعدهم على إتقان النَّحو، فأنت في الواقع –
ومن حيث لا تدري – تزيد الأمر سوءًا، والنَّحو صعوبةً، وتسبِّب لهم أسوأ الضَّرر!!!
 
     ومن (المسلَّمات ) المنتشرة، أو ما قد تعتقد أنتَ أنَّه من (المسلَّمات ) ، القول إنَّ: (الضَّمائر المنفصلة
تُعرَب دائمًا مبتدأ ) ؛ فهذا غير صحيح:
 
أوَّلا: من الضَّمائر المنفصلة ضمائر نصبٍ، لا تقع في محلِّ رفعٍ أصلا، وإنَّما تقع غالبًا مفعولا به، كـ (إيَّاك )
في قوله – تعالى – : “إيَّاك نعبد ” ، وممَّا يُؤسَف له أنَّكَ قد تكون متفاجئًا الآن عندما تعرف أنَّ (إيَّاك )
ضمير؛ فهذه الضَّمائر يتمُّ تهميشها عمدًا، ولا يُشَار إليها مطلقًا في مناهج التَّعليم المصريِّ؛ حيث إنَّ ما
يتمُّ تصديره – زيفًا وبهتانًا – للطَّالب، أنَّ الضَّمائر المنفصلة هي ضمائر الرَّفع (للغائب – المخاطب –
المتكلِّم ) فقط؛ فينهي الطَّالب تعليمه، وهو لا يدري أنَّ هناك ما يُعرَف باسم (ضمائر النَّصب المنفصلة ) !!
 
ثانيًا: حتَّى ضمائر الرَّفع المنفصلة، لا تقع دائمًا مبتدأ كما يعتقد غالبيَّة المعلِّمين، والأكثر غرابةً أنَّها لا
تقع دائمًا في محلِّ رفع، مع أنَّها تُسَمَّى (ضمائر الرَّفع المنفصلة ) ، بل قد لا يكون لها محلٌّ من الإعراب أصلا!!
 
1 – فأمَّا عدم وقوعها دائمًا مبتدأ، فخير مثالٍ عليه ما ورد في القرآن الكريم من قوله – تعالى -: “كنتَ
أنتَ الرَّقيب عليهم ” ، ففي حين يعتقد الكثيرون أنَّ (أنتَ ) مبتدأ، و (الرَّقيب ) خبر، وأنَّ تلك الجملة
الاسميَّة (المزعومة ) هي خبر (كنتَ ) ، نفاجَأ بأنَّ كلمة (الرَّقيب ) قد وردت في الآية منصوبة؛ ممَّا
ينفي كونها خبرًا، وينفي – بالتَّالي – كون (أنتَ ) مبتدأ؟!!
 
     والحقيقة أنَّ (أنتَ ) وقعت في الآية توكيدًا للضَّمير المتَّصل قبلها، وأنَّ (الرَّقيب ) هي خبر (كنتَ ) ،
فهل يعني ذلك أنَّ ضمائر الرَّفع المنفصلة إمَّا أن تُعرَب مبتدأ، وإمَّا أن تُعرَب توكيدًا، فقط؟ ومتى نعربها توكيدًا؟
 
     فأمَّا عن الشِّقِّ الأوَّل من السُّؤال، فإنَّ ضمائر الرَّفع المنفصلة لها ثلاثة (إعرابات ) ، وإعراب واحد
(قليلٌ نادرٌ ) :
أ – مبتدأ (غالبًا ) .
ب – توكيد.
ج – ضمير فصل لا محلَّ له من الإعراب، وذلك إذا فصل الضَّمير بين المبتدأ وخبره (المجتهد هو المحبوبُ )
، أو بين اسم (كان ) وخبرها (كان المجتهد هو المحبوبَ ) ، أو بين اسم (إنَّ ) وخبرها (إنَّ المجتهد هو
المحبوبُ ) ، فالضَّمير في جميع هذه الجمل لم يقع مبتدأ، والخبر في كلِّ الجمل مفرد، وليس جملةً اسميَّةً
كما (يتوهَّم ) الكثيرون.
 
    وأمَّا بالنِّسبة للشِّقِّ الثَّاني من السُّؤال، والمتعلِّق بـ (متى يُعرَب الضَّمير المنفصل توكيدًا؟ ) ، فالجواب:
إذا توالَى ضميران: الضَّمير الأوَّل متَّصل، والضَّمير الثَّاني منفصل.
كما ورد في الآية السَّابقة، التي توالَى فيها الضَّمير المتَّصل (تاء الفاعل ) ، والضَّمير المنفصل (أنتَ ) ،
وكما في قولك: التَّلاميذ ذاكروا هم دروسهم (واو الجماعة، ثمَّ هم ) .
 
     فإذا كان ضمير الفصل يفصل – كما أسلفنا – بين المبتدأ وخبره، وبين اسم (كان ) وخبرها، وبين
اسم (إنَّ ) وخبرها، فلماذا لا يكون الضَّمير (أنتَ ) في الآية ضمير فصلٍ لا محلَّ له من الإعراب؛ باعتبار
أنَّه فَصَلَ بين اسم (كنتَ ) [تاء الفاعل ] ، وخبرها [الرَّقيب ] ؟
 
     والإجابة إنَّه إذا توالَى ضميران – كما قلنا – :الأوَّل متَّصل، والثَّاني منفصل، يكون الضَّمير المنفصل
توكيدًا للضَّمير المتَّصل (شربتُ أنا الماء ) ، وفي غير ذلك – كهذا المثال – يكون الضَّمير ضمير فصلٍ لا
محلَّ له من الإعراب (المسلمون هم الأحرار ) .
 
     وليست هذه هي الحالة الوحيدة التي يُعرَب فيها الضَّمير المنفصل توكيدًا، وإنَّما يمكن أن يكون الضَّمير المنفصل توكيدًا لضميرٍ مستترٍ (الولد جاء هو من المدرسة ) ؛ فالضَّمير توكيدٌ للفاعل المستتر قبله، وهنا يحدث الالتباس؛ حيث يظنُّ غالبيَّة المعلِّمين أنَّ الضَّمير في مثل هذه الجملة قد وقع فاعلا، فلماذا لا يصحُّ إعراب الضَّمير في هذه الجملة فاعلا؟
 
     والإجابة التي يجهلها الكثيرون أنَّ الضَّمير المنفصل لا يقع فاعلا إلا في موضعين (وهذا هو ما سمَّيته بالإعراب القليل النَّادر ) :
الموضع الأوَّل: في أسلوب الاستثناء النَّاقص المنفيِّ: لم ينجح إلا أنتَ.
والموضع الثَّاني: أن يقع الضَّمير المنفصل فاعلا لاسمٍ مشتقٍّ عاملٍ: أناجحٌ أنتَ؟
وفي غير ذلك لا يمكن أن يكون الفاعل ضميرًا منفصلا.
 
ملاحظة:
أنواع الفاعل في النَّحو:
أ – اسم ظاهر: (شرح المعلِّم الدَّرس ) .
ب – ضمير متَّصل (6 ضمائر ) : (المعلِّمون شرحوا الدَّرس ) .
ج – ضمير مستتر: (الولد عاد من المدرسة ) .
د – مصدر مؤوَّل: (يجب أن تجتهد ) .
 
وتلخيصًا لما سبق:
– أنتم تلاميذ مجتهدون. (مبتدأ ) .
– “كنتَ أنتَ الرَّقيب عليهم ” . (توكيد للضَّمير المتَّصل ) – الولد شرب هو اللبن. (توكيد للضَّمير المستتر ) .
– مصر هي الوطن. (ضمير فصلٍ لا محلَّ له من الإعراب ) .
– لم ينجح إلا أنتَ. (فاعل ) – أناجحٌ أنتَ. (فاعل ) .
 
2 – كيف يصحُّ عدم وقوع ضمائر الرَّفع المنفصلة في محلِّ رفع؟
     كما في قولك: هذا بيتنا نحن؛ فالضِّمير المنفصل (الذي يُفترَضُ أنَّه ضمير رفعٍ أصيل ) وقع في محلِّ جرٍّ، كتوكيدٍ لضَّمير المتَّصل (نا المتكلِّمين ) قبله، والذي وقع مضافًا إليه.
 
    وكما في قولك: ساعدتُكَ أنتَ؛ فالضَّمير المنفصل وقع في محلِّ نصب توكيد للمفعول به قبله (كاف الخطاب ) . [ملاحظة: إذا قلتَ: ساعدتُكَ أنتَ، يكون الضَّمير المنفصل في محلِّ نصب؛ لكون المؤكَّد هو المفعول به، أمَّا إذا قلتَ: ساعدتُكَ أنا، فالضَّمير المنفصل، الواقع توكيدًا، وقع في محلِّ رفع؛ لكون المؤكَّد هو الفاعل ] .
 
    لا ثوابت في النَّحو للأسف، وهذا ما يزيد من صعوبة فهم النَّحو، وتدريس النَّحو، ولكنَّ هذا هو قَدَرُنا، وتلك هي رسالتنا.
 
ملاحظة:
يمكنكم – إن شئتُم – قراءة المقال / التَّدوينة، على مدوَّنتنا الشَّخصيَّة بموقع نحو دوت كوم، من خلال الرَّابط التَّالي:

https://www.facebook.com/nahw.1com/posts/2034811923439962