لا محلَّ له من الإعراب – شبهاتٌ وأباطيل!!
أثار القضيَّة أحد الأخوة الكرام في مجموعة (ألغاز نحويَّة ) التي أشرف بإدارتها، وكان موضوعه عبارةً عن سؤالٍ مؤرِّقٍ عن معنى عبارة (والجملة لا محلَّ لها من الإعراب )، وقال ما معناه إنَّ هذا الموضوع شديد الإبهام والغموض.
– الشُّبهة الأولى: إذا كان القول بأنَّ علَّة كون الجمل التي لا محلَّ لها من الإعراب، عدم إمكانيَّة تأويلها بالمفرد، فلماذا يمكننا تأويل جملة صلة الموصول بالمفرد، رغم كونها ممنوعةً من الصَّرف، كما في قولنا: نجح مَن اجتهد (بتأويل نجح المجتهد )؟؟!!
في الحقيقة فإنَّ عدم إمكانيَّة تأويل الجملة بالمفرد، تبريرٌ صحيحٌ بالفعل لكونها لا محلَّ لها من الإعراب:
– الولد يسرع: جملة (يسرع ) لها محلٌّ من الإعراب (خبر )؛ حيث يصحُّ تأويلها بالمفرد: الولد مسرع.
– جاء الولد يجري: جملة (يجري ) لها محلٌّ من الإعراب (حال )؛ حيث يصحُّ تأويلها بالمفرد: جاء الولد جاريًا.
أمَّا جميع الجمل التي لا محلَّ لها من الإعراب، فلا يصحُّ تأويلها بالمفرد يقينًا (الجملة الابتدائيَّة – الجملة الاعتراضيَّة– جملة جواب القَسَم – جملة جوا الشَّرط غير الجازم – جملة جواب الشَّرط الجازم، غير المقترن بالفاء أو بإذا الفجائيَّة …. إلخ ).
وبالنِّسبة للشُّبهة المذكورة، والخاصَّة بـ (الإمكانيَّة المتوهَّمة ) لتأويل جملة صلة الموصول بالمفرد، ففيها خطأ جوهريٌّ مؤكَّد من المتحدِّث؛ فهو هنا لا يؤوِّل جملة صلة الموصول بالمفرد (كما يُتوَهَّم )، وإنَّما هو هنا يؤوِّل الاسم الموصول + جملة الصِّلة بالمفرد، وشتَّان بين هذا وذاك!!
– الشُّبهة الثَانية: الجمل التي لها محلٌّ من الإعراب هي جملٌ زائدة:
هذه العبارة ليست صحيحةً على إطلاقها؛ لأنَّ بعض الجمل التي لا محلَّ لها من الإعراب زائدة (بوجهٍ ما )، ويمكن حذفها [كالجملة الاعتراضيَّة مثلا ]، ولكنَّ بعضها لا يمكن أن يُطلَق عليه وصف (زائد )، ولا يمكن حذفها والاستغناء عنها بأيِّ حالٍ من الأحوال [كجملة صلة الموصول – وجملة جواب الشَّرط ].
– الشُّبهة الثَّالثة: الجمل التي لها محلٌّ من الإعراب لا تفيد المعنى:
في حين أنَّ بعض الجمل التي لا محلَّ لها من الإعراب زائد ويمكن حذفه، فإنَّ أكبر فريةٍ؛ القول بأنَّ الجملة التي لا محلَّ لها من الإعراب (سواءً أأمكَنَ حذفها أم لا ) لا تفيد المعنى؛ ففي الحقيقة فإنَّه لا توجد جملةٌ (لها محلٌّ – ليس لها محلٌّ من الإعراب ) لا تفيد المعنى على وجهٍ من الوجوه.
انظروا:
– جاء أبي – والحمد لله – من السَّفر:
هنا الجملة الاسميَّة الاعتراضيَّة (والحمد لله ) لا محلَّ لها من الإعراب، وزائدةٌ بالتَّأكيد؛ بمعنى أنَّه يمكن (ظاهريًّا ) حذفها، دون أن يتأثَّر بناء الجملة؛ حيث من الممكن القول: عاد أبي من السَّفر، وهي جملةٌ تامَّةٌ من فعلٍ وفاعلٍ، لكنَّ حذف الجملة الاعتراضيَّة (وإن لم يؤثِّر على مبنى الجملة الأصليَّة )، سيؤثِّر بالتَّأكيد على معنى الجملة؛ فمن المستحيل أن تكون (عاد أبي – والحمد لله – من السَّفر ) = (عاد أبي من السَّفر ).
– محمَّد طالب يجتهد:
بنفس الطَّريقة، يمكن حف جملة النَّعت، لكنَّ تأثير حذف هذه الجملة (وإن جاز حذفها نظريًّا )، له أثرٌ مؤكَّدٌ ولا شكَّ فيه على معنى الجملة الأصليَّة.
– الشُّبهة الرَّابعة: حرف لا محلَّ له من الإعراب:
لا أرى داعيًا لإعراب حرف الجرِّ مثلا: (حرف جرٍّ لا محلَّ له من الإعراب )؛ فمن المسلَّمات أنَّ الحروف لا يمكن أن يكون له محلٌّ من الإعراب، ونحن نقول: والجملة لا محلَّ لها من الإعراب؛ لنفرِّق بينها وبين الجمل التي لها محلٌّ، أمَّا مع الحروف، وما دامت جميعًا مبنيَّةً، فإنَّه يصبح من اللَّغو الزَّائد القول بأنَّها لا محلَّ لها من الإعراب.
– الشُّبهة الخامسة: فعل لا محلَّ له من الإعراب:
هذه أيضًا من أغرب ما سمعتُ وأسمع: يقولون: فعل ماضٍ لا محلَّ له من الإعراب، وكيف يكون للفعل محلٌّ من الإعراب أصلا؟!! هل يُعقَل أن يقع الفعل: فاعلا – خبرًا – نعتًا – حالا – مفعولا به – مضافًا إليه؟!!
لا يوجد في اللُّغة العربيَّة فعلٌ له محلٌّ من الإعراب، وإنَّما يكون للجملة (المكوَّنة من الفعل والفاعل ) محلٌّ، أو لا يكون لها محلٌّ من الإعراب.
إذا قلتَ: محمَّد جاء، فـ (جاء ) فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح لا محلَّ لها من الإعراب، والفاعل ضميرٌ مستترٌ، والجملة الفعليَّة من الفعل والفاعل في محلِّ رفع خبر.
وقد يقول قائل: كيف يكون لا محلَّ له من الإعراب في هذه الحالة؟ والجواب إنَّه لا يكون له محلٌّ من الإعراب وحده، وإنَّما هو وحده لا محلَّ له من الإعراب، أمَّا هو والفاعل المستتر بعده فهما يشكِّلان معًا جملةً فعليَّةً في محلِّ رفع خبر.
رأيٌ شخصيٌّ: كالحروف، أعتقد أنَّه من الخطأ أن نخصَّ الفعل بالقول: لا محلَّ له من الإعراب، ولكنَّ الأفضل أن ننظر إلى محلِّ الجملة ككلٍّ.
أخيرًا ..
ما معنى (الجملة لا محلَّ لها من الإعراب )؟
بكلِّ بساطة، فالجملة التي لا محلَّ لها من الإعراب، هي الجملة التي (يستحيل ) أن تقع: فاعلا – خبرًا – نعتًا – حالا – مفعولا به – مضافًا إليه.
وعلى سبيل المثال:
لماذا أيُّ جملةٍ ابتدائيَّةٍ لا محلَّ لها من الإعراب؟
لأنَّها (ابتدائيَّة )، أي تتصدَّر الكلام:
– فلم يقع قبلها مبتدأ (ليصحَّ وقوعها خبرًا ).
– ولم يقع قبلها (كان ) أو (إنَّ ) (ليصحَّ وقوعها خبرًا لأيِّهما ).
– ولم يقع قبلها نكرةً (ليصحَّ وقوعها نعتًا ).
– ولم يقع قبلها معرفةً (ليصحَّ وقوعها حالا ).
– ولم يقع قبلها كلمات كـ [يوم – حيث – حين ] (ليصحَّ وقوعها مضافًا إليه ).
وهكذا ….