لماذا أعدُّ هذا السُّؤال هو الأكثر تعقيدًا في تاريخ امتحانات الثَّانويَّة العامَّة المصريَّة؟!
متِّع عقلك .. و (اعمل دماغ )
هذا هو السُّؤال:
– أريكِ يا مصر الإخلاص. ابنِ الجملة للمجهول.
هذا السُّؤال – في رأيي – أكثر الأسئلة تركيبًا وتعقيدًا في تاريخ امتحانات الثَّانويَّة العامَّة المصريَّة. فلماذا؟!
1 – الجمع بين المتكلِّم والخطاب في نفس الجملة.
2 – إنَّ استخدام فعلٍ مضارعٍ للمتكلِّم هو أهمُّ أسرار الإلغاز في هذه الجملة؛ فهنا لا بدَّ من حدوث ظاهرةٍ فريدة، وهي تحويل حرف المضارعة عندما يكون للمتكلِّم (أ – ن )، إلى ياء (عندما يكون نائب الفاعل غائبًا، أو مذكَّرًا )، أو تاء (عندما يكون نائب الفاعل مخاطَبًا، أو مؤنَّثًا ).
انظروا:
أحترم الأصدقاء المخلصِين. (هنا المفعول به – نائب الفاعل القادم بعد قليلٍ – غائب؛ فيُستبدَل بهمزة المضارعة – التي هي للمتكلِّم المفرد – إلى ياء ).
– يُحترَم الأصدقاء المخلصون.
أحترمك. (هنا المفعول به مخاطب، ولذا سيُحوَّل حرف المضارعة من النُّون الدَّالَّة على المتكلِّم الجمع، إلى التَّاء التي تدلُّ على المخاطب ).
– تُحترَم.
حسنًا ….
هل يعني هذا أنَّه لا يوجد فعل مضارع مبنيٌّ للمجهول مبدوء بهمزة أو نون؟
لا .. بل يمكن أن يبدأ المضارع المبنيُّ للمجهول بهمزة المضارعة (المتكلِّم ) في هذه الحالة:
إذا كان المضارع المبنيُّ المعلوم (قبل بنائه للمجهول ) متَّصلا بياء المتكلِّم ونون الوقاية:
– يساعدني صديقي: أُساعَد.
كما يمكن أن يبدأ المضارع المبنيُّ للمجهول بنون المضارعة (المتكلِّمِين ) في هذه الحالة:
إذا كان المضارع المبنيُّ المعلوم (قبل بنائه للمجهول ) متَّصلا بـ (نا ) المفعولَين ونون الوقاية:
– ينصرنا الله: نَنصَر.
3 – طبعًا الجهل بما سبق، حوَّل هذا السُّؤال إلى لغزٍ كبيرٍ، ومن ثمَّ أدَّى إلى فشل أكثر من 99% من الطُّلاب (بل ونسبة كبيرة جدًّا من المعلِّمِين من وجهة نظري ) في إجابة هذا السُّؤال، وسمعتُ بأذني كلَّ مَن سألتهم هذا السُّؤال يجيبون بالقول:
– أُرِيتِ يا مصر الإخلاص.
ناسِين أنَّهم – بهذه الإجابة – يقعون في أهمِّ خطأ يقع فيه مَن يبني الجمل للمجهول، وهو تحويل الفعل المراد بناؤه للمجهول – لا شعوريًّا – من ماضٍ إلى مضارعٍ، أو من مضارعٍ إلى ماضٍ (كما فعلوا في إجابتهم )!!
4 – الفعل (أُرِي – بضمِّ الهمزة، وكسر الرَّاء، والياء في آخره ) شديد الغرابة، وهناك مفارقة شديدة بينه وبين الفعل (أرَى – بفتح الهمزة والرَّاء، والألف في آخره )؛ ففي حين أنَّ (أرى – بفتح الهمزة والرَّاء ) قد يتعدَّى – في عُرف النُّحاة – إلى مفعولٍ واحدٍ أو إلى مفعولَين، فإنَّ (أُرِي – مضموم الهمزة ) متعدٍّ لمفعولَين مطلقًا، كما لا ينطبق على الثَّاني ما أجروه على الأوَّل من افتراض (البصريِّ / القلبيِّ ).
5 – الفاعل المستتر.
6 – وجود مفعولَين، وما يستلزمه ذلك من تحويل المفعول الأوَّل إلى نائب فاعلٍ، والإبقاء على المفعول الثَّاني مفعولا به منصوبًا كما هو، وما يمثِّله ذلك من تناقضٍ وارتباكٍ لدى الكثير من الطُّلَّاب، والذين يتوهَّم معظمهم أنَّ الفعل المبنيَّ للمجهول لا يأتي بعده مفعول به.
7 – معضلة تحويل المفعول الأوَّل إلى نائب فاعلٍ، والسِّرُّ في هذه المعضلة أنَّ المفعول به هنا هو كاف الخطاب، وكاف الخطاب ضمير نصبٍ، ولا يمكن أن تقع فاعلا ولا نائب فاعلٍ، ومن ثَمَّ سيتعيَّن على الممتحن أن يستبدل بضمير النَّصب هذا، ضمير رفعٍ مناسبًا، وهنا تأتي المعضلة الثَّانية في هذا المقام وهي: أيُّ ضميرٍ للرَّفع سيختار؟؟!!
هذا من أهمِّ أسباب الإلغاز في هذه الجملة؛ حيث ضمائر الرَّفع هي: (ألف الاثنَين – واو الجماعة – ياء المخاطبة – نون النّسوة – نا الفاعلَين – تاء الفاعل ).
وعلى الطَّالب أن يستعرض تلك الضَّمائر داخل عقله ليختار منها ضميرًا مناسبًا، والمشكلة أنَّه لن يصحَّ منها إلا ضمير واحد؛ فعمليَّة الاختيار إذن محفوفة بالمخاطر، وأيُّ خطأ فيها سينسف الجملة من أساسها.
فإذا كنتَ طالبًا نابهًا فستدرك أنَّ نائب الفاعل مخاطب هنا (على عكس الفاعل – المتكلِّم – المحذوف )، وأنَّه لا يصلح من كلِّ ضمائر الرَّفع هذه (لو افترضنا أنَّ الطالب متفوِّق لدرجة أنَّه يحفظ هذه الضَّمائر جميعًا، ويدرك الفرق بينها وبين ضمائر النَّصب )، لا يصلح من كلِّ تلك الضَّمائر إلا ياء المخاطبة.
8 – إذن سنفترض أنَّ ….
– الطَالب متفوِّق جدًّا، وأدرك أنَّ همزة المضارعة ستُحَوَّل إلى تاء.
– والطَّالب متفوِّق جدًّا، وأدرك أنَّه ليس مضطرًّا إلى حذف فاعل الجملة الأصليَّة – كما تقتضي أصول البناء للمجهول – لأنَّه مستتر أصلا، وأنَّ الفعل متعدٍّ إلى مفعولَين، وأنَّ المفعول الأوَّل سيتحوَّل إلى نائب فاعلٍ، بينما سيبقى المفعول الثَّاني منصوبًا.
– والطَّالب متفوِّق جدًّا؛ لدرجة أنَّه أدرك، أنَّ كاف الخطاب ستُحَوَّل إلى ياء المخاطبة؛ ليمكن وقوعها نائب فاعلٍ.
هنا ستواجه هذا الطَّالب مفارقة أخرى بالغة التَّعقيد؛ حيث عليه أن يمتلك من المهارة ما يجعله مدركًا أنَّه عند إسناده للفعل (تُري ) إلى ياء المخاطبة، فإنَّ عليه أن يحذف الياء الأصليَّة من آخر الفعل أوَّلا.
هل هذه هي المعضلة الوحيدة في هذه المرحلة المتقدِّمة من الإجابة؟
لا ..
هناك معضلةٌ إضافيَّة تختم مجموعة المعضلات المركَّبة السَّابقة، وهي أنَّه ينبغي أن يكون الطَّالب الممتحن ذا عقلٍ متفرِّدٍ؛ ليلاحظ أنَّ هذا الفعل المضارع عندما سيُسنَد إلى ياء المخاطبة المؤنَّثة، سيتحوَّل إلى فعلٍ من الأفعال الخمسة، وأنَّ عليه – ما دام الفعل مرفوعًا – أن يضيف إليه نون رفع الأفعال الخمسة؛ لتكون الإجابة المراوغة (بنت الذين!! ) في النِّهاية:
– تُرَين يا مصرُ الإخلاصَ.