نوع المشتقِّ في: الصَّبر مفتاح الفرج-قال رجلٌ لزوجته: لم أرَ خيرًا منكِ قطّ: مدحٌ، أم ذمٌّ؟

يسري سلال 24 مارس 2020 | 4:55 ص قضايا نحويَّة 4540 مشاهدة

أوَّلا: نوع المشتقِّ في قولنا: (الصَّبر مفتاح الفرج )
هذا السُّؤال شائعٌ جدًّا على شبكة الانترنت، وللأسف، موضع دائم للسُّؤال في امتحانات آخر العام، للصَّفِّ الثَّالث الإعداديِّ.

وطبعًا، وكما تعلمون جميعًا، يتمحور الخلاف حول كلمة (مفتاح )، والتي يراها بعضهم اسم آلةٍ، ويراها آخرون صيغة مبالغة.

والواقع أنَّ هذا خلاف عبثيٌّ!!

ففي الحقيقة، فإنَّ الإجابتَين واردتان، ولا داعي للخلاف.

نعم، يمكنك أن تقول صيغة مبالغة، وقولك صحيح، ويمكنك أن تجيب: اسم آلةٍ، وإجابتك صائبة.

وأسوأ ما في هذه المعركة العبثيَّة أن يسألك أحدهم: ما نوع كلمة (مفتاح ) في القول المأثور: الصَّبر مفتاح الفرج؟ فتجيب: اسم آلةٍ؛ فيسخر من إجابتك، ويسألك مستنكرًا: وهل الصَّبر مفتاح في الحقيقة؟!!

وردِّي: احنا هنهزَّر؟!! وهل نحن مَن جعلنا الصَّبر مفتاحًا، أم حضرتك؟!!

العجيب أنَّك لو سألتَ نفس الشَّخص الذي يرفض إجابتك: ما الجمال في قولك: الصَّبر مفتاح الفرج، لأجابك: تشبيه للصَّبر بالمفتاح!!

سبحان الله!! ما دمتَ حضرتك تعترف بأنَّنا شبَّهنا الصَّبر بالمفتاح، فلماذا تستنكر كونه مفتاحًا؟!!
يقول لك: ولكنَّه مفتاح على سبيل المجاز.
حسنًا، هو إذن اسم آلةٍ على سبيل المجاز أيضًا!!

ثمَّ، لماذا تختار حضرتك تعبيرًا مجازيًّا وتسأل عنه؟! لماذا لا تستخدم تعبيرًا حقيقيًّا لاجتناب هذا اللَّغط؟!
بل والأهمُّ، هل يدرس طلَّاب الصَّفِّ الثَّالث الإعداديِّ التَّعبير الحقيقيَّ والمجازيَّ لتسألهم هذا السُّؤال؟!
لماذا لا يكون سؤالك واضحًا ومحدَّدًا وحاسمًا، كأن تسأل عن نوع (مفتاح ) في قولك: الولد مفتاحٌ الدُّرج بالمفتاح؟ ليجيبك الطَّالب بكلِّ بساطةٍ بأنَّ الأولى صيغة مبالغة، والثَّانية اسم آلةٍ؟

ولكلِّ مَن يأتي بهذا السُّؤال في امتحانات آخر العام: استحوا، وكفاية بقى!!

ثانيًا: (قال رجلٌ لزوجته: لم أرَ خيرًا منكِ قطّ ): مدحٌ، أم ذمٌّ؟
لا تخلو صفحة، ولا جروب، من صفحات وجروبات فيس بوك المهتمَّة والمتخصَّصة في اللُّغة العربيَّة، من هذا السُّؤال الأبله!!
ولولا أنَّ الله عفا عنِّي فتوقَّفتُ نهائيًّا عن فتح رسائل الماسينجر، لمتُّ كَمَدًا من كمِّ الإخوة والأخوات الذين يرسلون لي هذا السُّؤال يوميًّا .. فالحمد لله الذي عافاني!!

أنا أعرف أنَّ أغلب الإخوة المغرَّر بهم، والذين يتداولون هذا السُّؤال البائس بكلِّ جدِّيَّةٍ، يتناقلونه على سبيل الرَّغبة في المعرفة، لكنَّني واثقٌ – في نفس الوقت – أنَّ المخترع الأوَّل لهذا التَّعبير السَّخيف، قد افتكسه كنوع من المزاح، قبل أن ينقلب هذا المزاح بعد ذلك إلى معركةٍ مضحكةٍ بين فريقَين: أحدهما يتعصَّب لكونها مدحًا، وآخر ينتصر لكونها ذمًّا، ولله في خلقه شئون!!

عمومًا، إذا ساق الحظُّ العَسِر، شخصًا ما، ليسألني هذا السُّؤال السَّمج، فسأحاول جاهدًا أن أتحكَّم في أعصابي، وسأطلب منه بهدوءٍ أن يكمل السُّؤال:
أ – فإمَّا أن يقول لي مثلا:
أمر رجلٌ زوجته بعدم الخروج، ولكنَّها عضت أمره؛ فصرخ فيها قائلا: لم أرَ خيرًا منكِ قطّ. فهل هذا مدحٌ أم ذمٌّ؟
وسأجيبه ساعتها بضميرٍ مرتاح: هذا ذمٌّ.

ب – وإمَّا أن يقول لي:
تفانت زوجةٌ في خدمة زوجها المريض؛ فضمَّها إليه وهو يقول: لم أرَ خيرًا منكِ قطّ.
وسأجيبه وقتها بكلِّ ثقةٍ: هذا مدح.

أمَّا في غياب مثل هذا السِّياق، وأن يجتزئ هذه العبارة، ثمَّ يسألني بكلِّ أريحيَّةٍ وجدِّيَّةٍ: مدح أم ذمٌّ؟ فساعتها ليس أمامي إلا أن أصرخ في وجهه: وأنا مال أهلي؟!! وكيف أعرف ما إذا كان هذا ذمًّا أم مدحًا، إذا كنتُ أصلا لا أعرف الرَجل السَّخيف الذي قالها، ولا المحروسة زوجته، ولا متى قال لها ذلك: هل في لحظة صفاء، أم في ساعة غضب؟!!