العقاب البدنيُّ في المدارس – الدُّروس الخصوصيَّة – التَّحرُّش .. حديثٌ ذو شجون!!

يسري سلال 04 نوفمبر 2018 | 9:32 م عامٌّ 1714 مشاهدة

العقاب البدنيُّ في المدارس – الدُّروس الخصوصيَّة – التَّحرُّش .. حديثٌ ذو شجون!!
بقلم الأستاذ/ يسري سلال
برعاية موقع (نحو دوت كوم )
 
قبل أن تقرأ ….
ستجد هنا آراء ربَّما لن تعجبك، وربَّما ستصدمك، فلو كنت على استعدادٍ لقبول الرَّأي الآخر
، حتَّى لو كان مختلفًا معك، فأكمل قراءة المقال إلى نهايته، وإن كنت تعتبرني مسيئًا
للمعلِّمين الملائكة الأطهار، فيمكنك أن تعفي نفسك من مطالعة آرائي المزعجة، وتحذفني
من قائمة أصدقائك؛ فتريح وتستريح.
 
(1 ) العقاب البدنيُّ:
قِيل، والعهدة على الرَّاوي، إنَّ (ابن خلدون ) قال في مقدِّمته:
قال الخصب: إنِّي لاحقٌ بأرض مصر؛ فقال الذُّلُّ: خذني معك!!
 
يؤمن غالبيَّة المعلِّمين أنَّ التَّنكيل بالطُّلاب وإهدار آدميَّتهم؛ بزعم تعليمهم، هو حقٌّ إلهيٌّ
لا يقبل المساومة أو النِّقاش.
 
فإذا كنتَ كوليِّ أمرٍ تفضِّل ألا يتعلَّم أبناؤك بالقهر والتَّعذيب، فتأكَّد سيادتك أنَّ هذا النَّوع
من المعلِّمين سينظر لك نظرة احتقار، وفي حالة طلبك صراحةً من أحدهم ألا يضرب ابنك،
فإنَّه سينتقم منك ومن ابنك بتجاهله تمامًا في الفصل؛ عقابًا لأبيه المارق الذي يظنُّ أنَّ
على رأسه، ورأس ابنه، ريشة!! وأنَّه يريد استثناء أولاده وتمييزهم عن زملائهم
المعذَّبين والمقهورين!!
 
حسنًا .. لماذا يظنُّ المعلِّم في مصر أنَّ الضَّرب هو الوسيلة الوحيدة للتَّعليم؟!!
 
والإجابة أنَّ هذا المعلِّم يعتقد ذلك لأنَّه تربَّى غالبًا على القهر، ومُورِس في حقِّه سابقًا وقت
دراسته كافَّة أنواع التَّنكيل المادِّي والمعنويِّ، في مدارس أقلُّ ما تُوصَف به بأنَّها كانت
(سلخانات بشريَّة )، ورغم ما عاناه في صغره بسبب ذلك، إلا أنَّه كبر، فنظر – وياللعجب
– إلى ماضيه المرعب – نظرة إكبار، وللمعلِّمين الذي كانوا يسومونه سوء العذاب نظرة
احترامٍ وتقديرٍ لفضلهم عليه!!
 
ثمَّ حاول عندما كبر وعيِّن معلِّمًا (لسوء طالع طلابه ) أن يستنسخ تلك التَّجربة البشعة التي
عاشها صغيرًا، وأن يطبِّقها في العصر الحاليِّ على طلابه المساكين؛ معتقدًا أنَّه بذلك
سينشئ جيلا من العباقرة!!
 
ومَّا عزَّز هذا الشُّعور لديه ربَّما، أنَّه عانى القهر في كلِّ مراحل حياته: نشأ ربَّما في كنف
أبٍ قهره، ثمَّ تلقَّفه معلِّمون هم أقرب لمهنة (الجزارة ) من مهنة المعلِّم، وخصوصًا لأنَّهم
وجدوا والد هذا التِّلميذ يقول لهم: عايزكم تكسروه!! ولم يخيِّب هؤلاء المعلِّمين ظنَّ هؤلاء
الآباء المشوَّهين؛ فأعملوا في طلابهم أسوأ أنواع الذُّلِّ والتَّنكيل، مستخدمين كلَّ أنواع
العقاب البدنيِّ التي عرفها الإنسان في تاريخه.
 
فلماذا يروِّعون طلابهم يا ترى؟؟
لن أقول إنَّهم يفعلون ذلك لإجبارهم على أخذ دروس خصوصيَّة مثلا، رغم أنَّ هذا يحدث كثيرًا، ولكنَّني سأسوق بعض الأسباب الموضوعيَّة التي تؤدِّي إلى إنزال أشدِّ العقاب بالطُّلاب:
1 – لأنَّ طالبًا لم يستطع الحفظ مثلا؛ مع أنَّه ربَّما كان لا يجيد القراءة؛ بسبب تقصير معلِّمين
زملاء لهذا المعلِّم لم يؤدُّوا واجبهم كما ينبغي.
 
2 – لأنَّ طالبًا فشل في الحفظ، رغم أنَّه قضى اللَّيل، أو معظمه، يحاول الحفظ بلا فائدة.
 
3 – لأنَّ طالبًا في الصَّفِّ الأوَّل الابتدائيِّ مثلا، قد تغيَّب في اليوم السَّابق عن المدرسة، فهل يُعقَل أنَّ طالبًا في هذه السِّنِّ يتغيَّب من المدرسة لأنَّه قرَّر (التَّزويغ ) والذِّهاب إلى السِّينما مثلا!! أم أنَّ غيابه عائد إلى أحد سببَين لا يد له في أيِّهما: إمَّا لمرضه، وإمَّا بطلبٍ من والدَيه.
 
4 – لأنَه سُئل سؤالا فلم يعرف الإجابة، فهل الأحرى بمعلِّمه أن يوضِّح له الإجابة ويشرحها له، أم أن يسومه سوء العذاب؟!!
 
علمًا بأنَّني أعرف أشخاصًا يحفِّظون القرآن الكريم بالحديد والنَار، ويحوِّلون حياة الأطفال الصِّغار، الذين يرغب أهاليهم في تحفيظهم القرآن، إلى كابوسٍ مرعب، فهل هذا يليق بالقرآن الكريم؟
 
من سوء الحظِّ أنَّ هذا المعلِم لم يتعلَّم بنفس الطَّريقة فقط، وأقصد بها القهر والعسف والإيذاء، وإنَّما كبر ونال شهادته الجامعيَّة، ثمَّ عُيِّن معلِّمًا، فوجد مديره يقهره ويتسلَّط عليه، ووجد حكومة تحتقره وتقهره ولا تقيم له وزنًا؛ فكان من الطَّبيعيِّ أن تنعكس كلُّ تلك الطَّبقات المتراكبة من القهر عليه داخل فصله الدِّراسيِّ، الذين يظنُّ بالخطأ أنَّه ملكيَّته الخاصَّة التي يحقُّ له أن يتصرَّف فيها كيف يشاء، وأن يحوِّل هذا الفصل إلى سجنٍ كريهٍ يمارس فيه أبشع طرق العذاب.
 
أعرف أنَّ هذا الكلام لن يعجب الكثيرين، ولكنَّني كأب، لا أسمح لك أن تنكِّل بأبنائي؛ لسببٍ بسيطٍ، وهو أنَّ سيادتك لستَ أفضل منهم لتضربهم بالعصا.
 
إنَّني أعرف معلِّمين لا يفقهون شيئًا في موادِّ تخصُّصهم، ومعلِّمين ليسوا فوق مستوى الشُّبهات، ومعلِّمين لا ينظرون إلى العلم إلا أنَّه الدَّابَّة التي يركبونها ليحصدوا بها الأموال؛ فلا علم ولا رسالة؛ فبأيِّ منطقٍ يعطي مثل هؤلاء لأنفسهم الحقَّ في الاعتداء لفظيًّا وجسديًّا ومعنويًّا على أطفال، هم أوَّلا، وقبل أن يكونوا طلابًا، بشر لهم حقوق؟
 
دلُّوني على مجتمع واحد محترم ومتقدِّم ومتحضِّر على مستوى الكوكب يُعاقَب فيه الطُّلاب
في المدارس بالضَّرب بالعصا، ومع ذلك فما زال المعلِّمون، وأغلب أولياء الأمور للأسف،
يؤمنون أنَّ هذا هو السَّبيل الوحيد للتَّعلُّم، فلا عجب أن صرنا في ذيل الأم، ولا عجب أن
نتوارث الذُّلَّ والقهر جيلا بعد جيل، وكابرًا عن كابر، وأن يتضاحك على جهلنا الرُّكبان!!
 
ورغم ذلك، فما زلنا نتساءل في بلاهة: لماذا تقدَّموا وتخلَّفنا؟ لماذا أصبحنا نثير السُّخرية والرِّثاء؟
 
إنَّ العقاب البدنيَّ لم يعد موجودًا في بلاد الواق واق، ولا البلاد التي تركب الأفيال، ولا
جمهوريَّات الموز!!
 
ولا أعتقد أنَّه ما زال موجودًا حتَّى في الدُّول العربيَّة، التي تزاحمنا في قاع الحضارة، بعد أن أصبحت أغلب مدارسها تعتبر (العقاب البدنيَّ ) أسلوبًا بربريًّا مرفوضًا تجاوزه التَّاريخ، حتَّى أكاد أظنُّ بأنَّ مصر وحدها هي التي ما زالت تعرف هذه العادة الجاهليَّة المقيتة.
 
ما الحلُّ إذن؟
لا أعتقد أنَّ هناك حلا ما دام قطاع عريض من أولياء الأمور ينظرون بإكبارٍ إلى تلك الظَّاهرة، ويرونها الوسيلة الوحيدة المناسبة لأبنائهم، لكنَّ على الدَّولة أن تقوم بدورها في التَّصدِّي لتلك الظَّاهرة.
 
وأيُّ عقابٍ إداريٍّ لا أظنُّه كافيًا، وإنَّما كلُّ مَن يعاقب الطُّلاب بدنيًّا عليه أن يُحوَّل إلى محاكمةٍ عاجلةٍ، وأن يُقصَى عن العمل بالتَّدريس نهائيًّا.
 
وسيقول قائل: وماذا يفعل المعلِّم الذي يعاني من شغب وسوء أخلاق طلابه؟ وإجابتي أنَّني أعرف معلِّمات تسمع صوت الإبرة في حصصهنَّ إن سقطت على الأرض، يجلس الطُّلاب في حضرتهنَّ وكأنَّ على رءوسهم الطَّير، معلِّمات مهيبات محترمات، فلماذا يهاب الطَّالب معلِّمًا ويستخفُّ بآخر؟
في اعتقادي أنَّ العيب في المعلِّم نفسه، وفي شخصيَّته.
 
(2 ) و (3 ) الدُّروس الخصوصيَّة – التَّحرُّش [2 في 1 !! ]
ساقني سوء حظِّي منذ أيَّام إلى مشاهدة فيديو بعنوان (المدرِّس المتحرِّش ) أو شيء من هذا القبيل، فيديو مشين لا تكفي الكلمات لوصفه: مدرِّس لغة إنجليزيَّة مريض وهمجيٌّ وحيوان، يتحرَّش بطالبة ابتدائي مسكينة في درسٍ خاصٍّ بمنزلها، ويمدُّ يده ليعبث بجسدها الطَّاهر البريء.
 
وملأني الفضول (مع الاشمئزاز طبعًا ) وأنا أشاهد هذا الفيديو المرعب؛ حيث تساءلت عمَّن قام – بكلِّ أريحيَّة – بتسجيل هذا الفيديو، وسألتُ نفسي:
– هل هو أخٌ ديُّوث تفرَّج على المشهد المشين حتَّى نهايته، معتقدًا أنَّه نجح أخيرًا في توثيق هذا الاعتداء، والإيقاع بهذا المتحرِّش؟
 
– أم هو الأب الغافل الذي لا يقلُّ إجرامًا عن هذا الذِّئب البشريِّ؛ حيث سمح له بالدُّخول إلى بيته، والعبث بعرضه، وهيَّأ له كلَّ الظُّروف المناسبة التي تيسِّر له مهمَّته الملعونة، والذي ظلَّ يتفرَّج أيضًا على صاحبنا وهو يمدُّ يده الشِّرِّيرة إلى جسد الصَّغيرة، ولم يكتفِ بذلك، وإنَّما قرَّر أيضًا نشر الفيديو لتظلَّ الفضيحة تتناقلها أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة لمليون سنةٍ قادمة؟
 
– أم أنَّ مَن قام بالتَّصوير هي الأمُّ التي سمحت له بالانفراد بابنتها، وأجلستها بجانبه (وليس
حتَّى مقابله )، وأغلقت الباب عليهم؛ معتقدةً أنَّها تهيئ لابنتها الظُّروف الملائمة للتَّحصيل،
في حين أنَّها قدَّمتها على طبقٍ من ذهب فريسةً لهذا الشَّيطان؟
 
واللهِ إنَّ إعدام هذا الجبان في ميدانٍ عامٍّ لا يكفي، وأتصوَّر أنَّ الأب والأم لا يقلَّان عنه جبنًا
وخِسَّةً وانحطاطًا!!
 
سحقًا للتَّعليم، وسحقًا للعلم، وسحقًا للمدارس، وسحقًا للمدرِّسين، وسحقًا لكلِّيَّات الطِّبِّ التي يراودكم حلم إلحاق أبنائكم بها، إذا كان ثمن ذلك هو إدخال مثل هؤلاء إلى البيوت ليعيثوا فيها فسادًا، وينشروا فيها الفاحشة، ويتلاعبوا بالأعراض، وينتهكوا حرمة الأجساد الصَّغيرة!!
 
كيف تسمح لنفسك أيُّها الأب السَّاذج الغافل أن ترسل ابنتك إلى مدرِّس في بيته لينفرد بها ويعطيها (درسًا خاصّا ) وحدها، أو تدخله إلى بيتك، في غرفةٍ منعزلةٍ، ليجلس بجوارها، قال إيه عشان يعطيها درسًا خصوصيًّا لتتفوَّق؟
 
ملعون أبو التَّفوُّق يا أخي!!
 
ولمَن سيقول: (صوابعك مش زي بعضها ) و (المدرسين زي الفل ) و (هذه نماذج شاذَّة ) إلى آخر هذا الكلام .. أقول لهم: أليسوا بشرًا؟ هل هم أنبياء؟ كيف تضع النَّار إلى جانب (البنزين )، ثمَّ تنام مطمئنًّا هانئًا قرير العين؟!!
 
إنَّ الأمر لا يتعلَّق بالمعلِّمين بقدر ما يتعلَّق بالنَّفس الإنسانيَّة التي هي أمَّارةٌ بالسُّوء بطبعها، وإلا فلمَ حذَّرنا الرَّسول من مواضع الشُّبهات؟
 
إنَّ الدُّروس الخصوصيَّة ليست عيبًا في حدِّ ذاتها، ولكنَّ العيب في ممارساتٍ عديدةٍ تتعلَّق بها: الإجبار عليها، وإن كان هذا نادرًا في رأيي، والمغالاة في أسعارها، وما قد يحدث فيها أحيانًا من سلوكيَّاتٍ شاذَّةٍ كالتَّحرُّش في هذه الحالة، وكحالة المعلِّم الذي انتشر له فيديو مؤخَّرًا وهو يعتدي على الطُّلاب مادِّيًّا ولفظيًّا لمجرَّد أنَّهم لم يشتروا مذكَّرته.
 
كلُّ ما سبق أدَّى إلى تحوُّل ظاهرة الدُّروس الخصوصيَّة إلى ظاهرة سيِّئة السُّمعة دعمت
حملة الدَّولة ضدَّها، مع أنَّ حرب الدَّولة على الدُّروس الخصوصيَّة هي في حقيقتها مجرَّد
صراع على (اقتسام الكعكة ) المتمثِّلة في المليارات التي يتمُّ تدويرها في سوق الدُّروس الخصوصيَّة سنويًّا؛ حيث ترى الدَّولة أنَّها الأحقُّ بهذه المليارات؛ لعلَّها تنقذها من أزمتها
المادِّيَّة الطَّاحنة.
 
وللأسف، ففي أزمة الدُّروس الخصوصيَّة، كأيِّ أزمةٍ أخرى في حياتنا، كلٌّ يغنِّي على ليلاه:
1 – الدَّولة التي تقدِّم أسوأ تعليم في العالم، ولا يبلغ إنفاقها على البحث العلميِّ والتَّعليم
(عُشر ) ما تنفقه إسرائيل، والتي أوصلتنا بسياساتها الرَّشيدة في مجال التَّعليم إلى أن
نُصَنَّف في المركز قبل الأخير عالميًّا في مجال التَّعليم، هذه الدَّولة الفاشلة تحاول إصدار
قانونٍ لقيطٍ بتجريم الدُّروس الخصوصيَّة، ليس حرصًا على الطُّلاب وأولياء أمورهم كما
تدَّعي، وإنَّما طمعًا في تلك (الغنيمة ).
 
2 – أولياء الأمور، الذين يتهافتون على مراكز الدُّروس الخصوصيَّة، ولا مانع لديهم في أن
يلقوا ببناتهم أحيانًا إلى براثن الذِّئاب؛ بحثًا عن الحلم المفقود بدخول كلِّيَّات القمَّة، ينقمون
على المعلِّمين الذين لا يراعون ظروفهم، وعلى الدَّولة التي لا تحميهم من جشع المعلِّمين.
 
3 – المعلِّمون الذين حوَّلوا العلم إلى بيزنس، بعد أن حوَّل عمرو خالد وإخوانه الدِّين إلى
بيزنس أيضًا، يتَّهمون الدَّولة بأنَّها السَّبب في تفاقم ظاهرة الدُّروس الخصوصيَّة؛ بتجاهلها
لتحسين الأوضاع المادِّيَّة للمعلِّمين، مع أنَّه لو تمَّ رفع رواتبهم إلى 400 ضعفٍ فإنَّهم لن
يتخلّوا عن تلك الدُّروس.